عندما اوجد البارئ عز وجل الانسان ( ذكراً وانثى ) جعل ديمومته ( بعد الارزاق التي قدّرها ) بالتكاثر والذي يتم بعملية الزواج ، فالزواج وما يترتب عنه هو وسيلة ادامة اللاغى البشري وعليه فهو عملية ذات قدسية عظيمة لدى كل بني البشر على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم واديانهم واطيافهم ، فالزواج هو ادامة الحياة ، لذلك وبمر التاريخ خضعت عملية الزواج كفكرة وكتطبيق للكثير من الاراء ولا اظن ان احدا يسبق الرسول الاكرم(ص) في هذه الموضوعة فقال (ص ) الزواج من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ، وقال تزوجوا فأني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ولم ينس غير القادرين عليه ماديا فقال : من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه الصوم .
الزواج يتم بين شريك وشريكه . قد يكونان غريبين وقد يكونان قريبين : فما هي محاسن كل منهما : يقول الرسول ( ص ) تخيروا لنطفكم فأن العرق دساس ، وقال الخال احد الضجيعين وقال تغربوا ولا تضووا ، وهذه الاحاديث ظاهرا وباطنا تحث على التغريب لا التقريب ، عموما لا اطلاقا ، وقد اثبتت الكثير من المشاهدات الطبية صحة هذا الاتجاه وصوابه ، فالكثير من الامراض التي تنتقل عبر الاجيال ( الوراثية) ستتركز وتكون أشد لو كان الأبوان مريضين بنفس العلة ويحملان نفس الخلل الوراثي ، اما لو كان احدهما مصابا والاخر سليما فسيتم ( تخفيف ) الصفة المرضية المنقولة وخير مثال على ذلك مايروى من ان جزيرة سردينيا في البحر المتوسط والتي تتبع لفرنسا كان نسبة من اهلها مصابين بفقر دم البحر المتوسط ( الثلاسيميا ) فتم القرار على ان لا يسجل أي زواج لاي إمرأة او رجل مصابين بهذا المرض وبعد مرور عدة اجيال تحسن الوضع كثيرا . صحيح انه قرار صعب لكنه جدير بالتفكير ان صعب العمل . ومن محاسن زواج الاغراب انهما (الرجل والمرأة ) انما يتعاملان بصورة رسمية اكثر مما لو كانا قريبين وبذلك يتم تجنب الكثير من الاشكالات العائلية التي تحدث نتيجة تدخل الكثير بدافع الحرص والقرابة وما الى ذلك من المسوغات ، كما ان زواج الاغراب يمنح فرصة اكبر للتعارف والتواصل وزيادة الوشائج بين عوائل واصول مختلفة وما يترتب على ذلك من زيادة انسانية الانسان وإلفته ، هذا من جهة الاغراب فما هي محاسن زواج الاقارب ، انهما ( الزوج والزوجة ) اصبر وفي هذا المعنى يقول الامام علي ( ع ) (الغريبة نجيبة والقريبة اصبر) فالقريبة تقبل فيها كل اسلافك وفي عطرها تتنسم عطر كل امهاتك وتحس بحنو الجدة الاولى وعطفها وفرحها ومداعبتها ، فلربما يحتاج الرجل في اوقات الشدة ان يضع راسه في حجر جدته تحكي له قصص الاولين ومغامرات الجن وحكايا عشق الشباب وبطولات الابن الوحيد او اصغر الاخوان او اوسطهم وحسب الغرض الذي تبتغي الجدة تحقيقه نخرج بعدها وكأننا ولدنا من جديد مملوءين حماساً وثقةً وتفاؤلًا ولا غرابة في قول الشاعر: الام مدرسة إذا اعددتها
اعددت شعبا طيب الاعراق .
فبنت العم لها سحر خاص وهواها في القلب يأسر ولا لوم فيه وغالبا ما يكون الظفر بها شاقا لإعتبارات كثيرة لا مجال لسردها الان ، ولطالما تفنن المحبون والعشاق في تاريخ العرب من تحمل التضحيات والمشاق من اجل الفوز بمن تهواه النفس فهذا عنترة العبسي يخاطب عبلة :
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
ان كنت جاهلة بما لم تعلم
يخبرك من شهد الوقيعة انني
اغشى الوغى واعف عند المغنم فلتساويهما في المعتد وفي دكة الشرف فأنه يفخر بكرمه وأباءه وشممه ، اما صاحب لميس الذي يبلغ به حد الفخر والاعتداد بنفسه ان يعيب على ابنة عمه تشبيهها له بالاسد ، فيرى الاسد دونه : فيقول :
تظن لميس ان الليث مثلي
واقوى شكيمة واشد صبرا
حيث خابت ضنون ابي لميس بتمنيه الخلاص من ابن اخيه حيث ارسله في طريق يسكنها اسد ، فتمكن صاحب لميس من قتل الاسد وارسل رأسه مهرا لها.
وعلى اية حال سواء كانت الزوجة الحبيبة قريبة او غريبة يبقى يرن في الاذهان القول ( العين وما تنظر والقلب وما يهوى ) وقول الشاعر
اذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
وسلام على ام جعفر في كل حين .