دا الكلام اللى قالوه، وكان كلام غريب جداً! أما رجع وزير المالية بهذا الكلام، كان من الواضح ان مافيش مساعدة حنالها من البنك الدولى، فقلنا نعتمد على أنفسنا، ونعتمد على شركات الصناعة اللى حتعاوننا فى بناء هذا السد. اتصلنا بالشركات الألمانية وبالحكومة الألمانية، وبعدين قالوا إن هم مستعدين يدونا ٥ مليون جنيه كقرض متوسط الأجل، وبعدين اتفقت الشركات الألمانية مع الشركات الفرنسية مع الشركات الإنجليزية - طبعاً اتفقوا على إنهم حيأخدوا هذا المشروع لأنهم حيكسبوا منه؛ لأن المشروع بحوالى بليون دولار، أما حيشتركوا فيه طبعاً حياخدوا حوالى تلت هذا المبلغ أو نص هذا المبلغ فى الحاجات اللى حيدوها لنا، فيه تنشيط لصناعتهم - وبعدين قالوا لنا التلاتة كلهم ٥ مليون على أساس قرض متوسط
فى شهر نوفمبر سافر وزير المالية إلى لندن وقابل وزير المالية الإنجليزى "مستر باتلر"، واتكلم معاه، فقال له: إن هم مستعدين يرفعوا هذا القرض المتوسط الأجل من ٥ مليون لـ ١٥ مليون - يعنى يبقوا التلاتة ٤٥ مليون - يدونا قرض عملة أجنبية علشان نمول السد العالى، والباقى نكمله احنا عملة مصرية، فسافر وزير المالية إلى واشنطن على هذا الأساس
الأمريكان قالوا: إنهم كانوا مقررين لمصر ٤٠ مليون دولار معونة، كانوا مقررينها على الورق، لكن ما ادوناش - دا الكلام دا كان فى ديسمبر - هم كانوا مقررينها من يونيو اللى قبله، لمصر ٤٠ مليون دولار معونة، والمفروض انهم حيدوها لنا، ولكن كنا بنطالب، كان باين انهم مش ناويين أبداً يدونا هذه المعونة، فقالوا: طبعاً احنا نستطيع ان احنا نحول لكم هذه المعونة للسد العالى
الإنجليز رجعوا فى كلامهم، قالوا: إنكم تاخدوا قرض من البنك الدولى، وان احنا نديكم معونة ١٦ مليون دولار؛ فالإنجليز يدونا معونة ١٦ مليون دولار، يعنى ٥ مليون جنيه، والأمريكان يدونا معونة حوالى ٥٦ مليون دولار، يعنى حوالى ٢٠ مليون جنيه
دى المعونة اللى هم عرضوها، ٢٠ مليون جنيه من الأمريكان، و٥ مليون جنيه من الإنجليز، والبنك الدولى قال: إنه مستعد يدينا ٢٠٠ مليون دولار بعد ٥ سنين - بعد البدء فى المشروع بخمس سنين - واحنا بقى فى الـ ٥ سنين الأولى علينا نصرف من مالنا ومن عرقنا ٣٠٠ مليون دولار. احنا حنصرف من جيوبنا ٣٠٠ مليون دولار، الإنجليز حيصرفوا ١٦ مليون دولار كمعونة، والأمريكان حيصرفوا ٥٦ مليون دولار كمعونة؛ دى المرحلة الأولى من بناء السد العالى اللى هى الـ ٥ سنين الأولى، وبدءوا على هذا يشترطوا ويتحكموا
حدثت مباحثات فى ديسمبر فى أمريكا مع الحكومة الأمريكية ومع مندوب الحكومة البريطانية ومع مندوب البنك الدولى، وآخر هذه المباحثات الطويلة المريرة جت اقتراحات من البنك الدولى. هذه الاقتراحات جواب من البنك الدولى بعته لى، بيقول: إنه مستعد يشترك فى تمويل السد العالى بـ ٢٠٠ مليون دولار، يعنى بعد ٥ سنين، وإن الـ ٢٠٠ مليون دولار مش حاخدهم مرة واحدة، حاخدهم على أجزاء زى ما أنا عايز، كل جزء نتفاوض فيه، وبعدين حط فى هذا الجواب شروط يجب ان مصر تتبعها علشان تستطيع انها تاخد هذا القرض من البنك الدولى
البنك الدولى قال: يقدم البنك الدولى ٢٠٠ مليون دولار إذا طلبها التمويل بالعملات الأجنبية، تمويل البنك - دفع الفلوس دى - يتوقف على الاتفاق على شروط القرض، وشروط القرض دى نتفاوض عليها من وقت لآخر، وطبعاً يا نتفق يا ما نتفقش، وبعدين قال: إن هذا القرض يتوقف على الشروط الآتية
يجب أن يطمئن البنك اطمئنان كامل إن العملات الأجنبية المطلوبة، اللى حتيجى من المنحة الإنجليزية والمنحة الأمريكية، ما تتقطعش، يعنى البنك ربط نفسه بالمنحة الإنجليزية والمنحة الأمريكية، قال: اديكم ٢٠٠ مليون دولار على شرط ان الإنجليز والأمريكان يكونوا راضيين عنكم ويدوكم المنحة
وبعدين الشرط التانى: يجب أن يتفاهم البنك - البنك الدولى - مع الحكومة المصرية، ويتفق معها من وقت لآخر.. يتفق على إيه؟ يتفق حول برنامج الاستثمار.. برنامجنا الخاص بالاستثمار والتصنيع لازم هو يتفق معانا ويوافق عليه؛ وصاية من البنك الدولى على الحكومة المصرية! تانى حاجة.. حول الحاجة إلى ضبط المصروفات العامة للدولة مع الموارد المالية التى يمكن تعبئتها.. لازم أنا أتفق معاه ازاى أظبط مصروفات الدولة، ولازم البنك الدولى يوافق على هذا الكلام
وبعدين لا تتحمل الحكومة المصرية أى دين خارجى.. ما نستلفش من حد أبداً ولا مليم، وكذا اتفاقات دفع.. ما نعملش اتفاق دفع زى اتفاق الأسلحة مع روسيا، ما نعملوش إلا بعد موافقة طبعاً البنك
كذا اتفاقات دفع تزيد عن الكميات المتفق عليها بين الحكومة المصرية والبنك بين وقت وآخر؛ حتى يكون البنك على بينة دائماً من أحوال مصر، وتتفاهم مصر مع البنك مقدماً قبل الاتفاق على أى التزام
وبعدين قال: إن تنظيم المشروع وتنفيذ المشروع وإدارة المشروع، وإدارة كل مرحلة من مراحل المشروع تخضع للاتفاق بين الحكومة المصرية والبنك
كل الشروط دى، وبعدين الآخر كتب فى آخر الجواب إيه؟ قال: وأخيراً يجب أن تعلمون أن اتفاقات البنك للمساعدة فى إقامة المشروع خاضعة - بلا شك - لإعادة النظر فيها إذا جدت ظروف استثنائية تستلزم ذلك
دا الجواب اللى بعته لى البنك بعد مفاوضات ديسمبر
الحكومة الأمريكية بعتت مذكرة، والحكومة البريطانية بعتت مذكرة، والبنك بعت الجواب دا. الحكومة الأمريكية تحيلنى على مذكرة الحكومة البريطانية وجواب البنك، وجواب البنك يحيلنى على مذكرة الحكومة البريطانية ومذكرة الحكومة الأمريكية، مذكرة الحكومة الإنجليزية تحيل على دى... يعنى العملية بقت عقدة، وظهر ان فيه هناك فخ بيعمل لنا للسيطرة على استقلالنا الاقتصادى
هذا الكلام رفض رفض بات، وقلنا: ان احنا مش ممكن نبيع نفسنا بـ ٧٠ مليون دولار معونة
اتكلمنا مع الأمريكان، وقلنا لهم: هل فيه شروط زى دى على المعونات اللى بتعطى لإسرائيل؟ الـ ٤٠ مليون اللى اعتمدوا لمصر كمعونة تعطى لنا علشان نصرفها ما أخدناهاش، ودلوقت بتقولوا نديها لكم تبعاً لشروط البنك الدولى، والبنك الدولى عايز يبعت مدير يقعد مطرحى فى مصر، وحنقدر نمشى ازاى بهذا الكلام؟ هذا الكلام يتنافى مع سيادتنا، يتنافى مع استقلالنا، يتنافى مع مبادئنا
قلنا لهم: إذا كنتم عايزين تدونا مساعدة، ادونا مساعدة على طول نصرفها زى ما نصرفها، وقارنا بين موقفنا وموقف العرب بإسرائيل، وقلنا: إنكم بتقولوا انتم أصدقاء العرب، إيه المساعدات اللى انتم بتدوها لإسرائيل؟! المساعدات اللى بتديها أمريكا لإسرائيل، واللى أنا ذكرتها وأذكرها لكم.. الهبة السنوية من الحكومة الأمريكية لإسرائيل منذ قيامها حتى الآن من ٣٠ إلى ٥٠ مليون دولار.. إسرائيل كل سنة بتأخد من أمريكا ما بين ٣٠ و٥٠ مليون دولار. المساعدة الفنية اللى بتاخدها إسرائيل من أمريكا تبلغ سنوياً من ٦ إلى ١٤ مليون دولار. المواد الغذائية الفائضة التى تهديها أمريكا لإسرائيل كل سنة ٧ مليون دولار. رءوس الأموال الأمريكية الموظفة فى إسرائيل ومشاريع إسرائيل ٢١٤ مليون دولار. اللى اتباع من سندات قرض الدولار الإسرائيلى فى أمريكا حتى الآن ٢٣٤ مليون دولار. فى ١٢/٧ سنة ٥٥ أعطى بنك أمريكا قرض لإسرائيل قدره ٣٠ مليون دولار. ما جمع من جباية اليهود فى أمريكا لإسرائيل حتى الآن - ودا معفى من الضرائب بقانون أمريكى - ٣ آلاف مليون دولار. ما أعطى لإسرائيل من أمريكا من قروض رسمية ١٦٤ مليون دولار. ما أرسل من تبرعات وهدايا للمؤسسات الإسرائيلية ١١٧ مليون دولار. مجموع التعويضات الألمانية - التعويضات اللى بتدفعها ألمانيا الغربية النهارده، واللى وافقت على انها تدفعها سنة ٥٣ بواسطة ضغط أمريكا - ٣ آلاف و٥٠٠ مليون دولار، تدفع كل سنة جزء منها بضائع وسفن ومصانع
برغم هذا عجز ميزانية إسرائيل التجارى فى العام ٢٣٠ مليون دولار، هذا العجز بيسدد كله من المساعدات الأمريكية، تبرعات يهود أمريكا فى الستة شهور الأولى من ١٩٥٦ بلغت ٦٥ مليون.. فى الست شهور الأولانيين من السنة دى ٦٥ مليون دولار، يقابلها ٥٨ مليون دولار جمعت خلال سنة ٥٥ كلها
دى المساعدات اللى بيدوها لإسرائيل، فاللى عايز يساعد بيدى، دا يعنى موضوع بيرجع إلى الرغبة.. اللى عايز يعاون واحد بيدى له، وطبعاً إسرائيل - زى ما نعرف - ربيبة أمريكا؛ فهى بتاخد معونات؛ لأن إسرائيل بدون هذه المعونة لا تستطيع أن تعيش. دا بالإضافة إلى طبعاً حيدوهم معونة حاجات ما قلتهاش؛ يدوهم معونة علشان يوطنوا اللاجئين - مش اللاجئين العرب؛ اللاجئين الصهيونيين اللى جايين من شمال إفريقيا، واللى جايين من بلاد أوروبا - ٥٠ مليون دولار بناء على اتفاقية بين أمريكا وبين إسرائيل
اتكلمنا مع ممثلين أمريكا، وقلنا لهم: فى فترة ٥ سنين سيصرف على السد العالى ٣٧٠ مليون دولار، ٣٠٠ مليون مصر حتدفعهم و٧٠ مليون انتم حتدفعوهم، وبعد كده المشروع اللى حيتكلف بليون دولار - ألف مليون دولار - البنك الدولى حيدفع منه ٢٠٠، وانتم دفعتم منه ٢٧٠، واحنا حندفع حوالى ٧٣٠ مليون دولار، ازاى أنا اللى حادفع ٧٣٠ مليون دولار أسلمك الخزنة بتاعتى، وأسلمك الحساب بتاعى، وما اعملش حاجة إلا بأوامرك؟! ما اعملش اتفاق دفع إلا أما آخد إذن من البنك الدولى، ما اعملش قرض إلا أما آخد إذن من البنك الدولى، ما أقدرش أقرر مشاريع داخلية إلا أما آخد إذن من البنك الدولى، ما أقدرش أقرر خطة تنمية إلا أما آخد إذن من البنك الدولى.. ازاى بس؟! مين يقبل هذا الكلام؟
قلت لهم: ان احنا لنا تجربة فى هذا.. تجربة، وان احنا استغلينا، وان احنا احتللنا على هذا الأساس، وإن النتيجة جا "كرومر" قعد لنا هنا فى مصر. ورفضنا هذا رفض كامل، وقلنا: ان احنا لن نقبل هذه الطريقة
**********
فى هذا الوقت.. فى هذه الأيام حضر السفير الروسى، وقال: إن روسيا مستعدة انها تشترك فى تمويل السد العالى - دا بعد ديسمبر - فأنا قلت له ان احنا بنتكلم دلوقت مع البنك الدولى، ونؤجل الكلام فى التفاصيل
ابتدينا نتكلم مع البنك الدولى، عرفوا ان هناك عرض روسى، عرفوا اعتراضاتنا، وصل إلى مصر فى فبراير سنة ١٩٥٦ - فبراير الماضى - مدير البنك الدولى، وبعت جواب قال: إنه عايز نبعت له دعوة علشان ييجى يتكلم معانا، وهو حيسهل كل هذه الأمور. وبدأت المفاوضات فى شهر فبراير مع مدير البنك الدولى، وحينما قابلت مدير البنك الدولى، قلت له بصراحة.. قلت له احنا عندنا عقد من القروض والفوايد، وما نقدرش نفصل هذا عن السياسة، وان احنا احتلينا بسبب الفوايد وبسبب القروض وما نقدرش ننسى، هذا التاريخ عالق بذهننا وعالق بدمنا، لا يمكن أبداً ان احنا نقبل أى مادة تمس بسيادتنا
وبعدين قلت له يعنى أنا مش شايف كمان.. يعنى مافيش ثقة، مش شايف حتى أما تشرفوا على ميزانيتنا انكم حتصلحوها؛ لأن فيه بلد جنبنا فى الشمال انتم مشرفين على ميزانيتها لأنها عاملة اتفاقيات معاكم، واقتصادها منهار، وطالبة دلوقت تدوها قرض ما انتوش راضيين، فإذا كنتم انتم فعلاً يعنى الإشراف بتاعكم بيصلح؛ كنتم صلحتم البلد اللى انتم واخدين فيها هذه المشاريع وبتدوها القروض. وان احنا نثق فى نفسنا، وإن تقرير البنك الدولى للاقتصاد المصرى بيقول: إن الاقتصاد المصرى سليم، ومصر تستطيع انها تتحمل نصيبها فى هذه النفقات
وقلت له كان مفروض ان احنا نبتدى فى يونيه الحالى.. نبتدى فى يونيه الحالى أول مرحلة من مراحل المشروع - والكلام دا كان فى فبراير - قلت له على هذا الأساس ما نقدرش أبداً نقرر البدء فى المشروع قبل ما نعرف إيه الاتفاق النهائى اللى حييجى بينا وبينكم
بعد مفاوضات طويلة قال: إن هو ما يقدرش يوقع اتفاق نهائى فى الوقت الحالى؛ لأن هناك مسائل قانونية، ولغاية ما نحل اتفاق الميه بين السودان ومصر.. وبعد ما نحل اتفاق الميه بين السودان ومصر بيبقوا يوقعوا الاتفاق، وان احنا نقدر نبتدى من النهارده فى المشروع معتمدين على السبعين مليون دولار اللى جايين لنا من أمريكا وإنجلترا
وبعدين هل إنجلترا وأمريكا حتدينا معونات تانى غير الـ ٧٠ مليون دولار؟! هم المفروض كانوا قايلين حيدونا ٤٠ مليون دولار كل سنة، دلوقت بيقولوا ٥ سنين حيدونا ٧٠ مليون دولار، فقالوا: إنهم ما يضمنوش انهم يقولوا لنا على المستقبل يقدروا يدونا أكتر من السبعين مليون دولار أو لأ!
ظهر الفخ اللى فى العملية؛ ظهر ان احنا ناخد السبعين مليون دولار ونبتدى نبنى المشروع، واحنا طبعاً متحمسين عايزين نبنى السد العالى، وكل يوم بنقوم ونقول: السد العالى وبناء السد العالى - وفعلاً احنا كنا ابتدينا فى عمل طرق، وابتدينا فى إنشاء محطات هناك وبناء بيوت للعمال، وبعد ما نمضى المشروع - بعد ما نبتدى فى البناء ونصرف فلوس، حنبتدى نصرف الـ ٣٠٠ مليون دولار وناخد الـ ٧٠ مليون دولار المعونة الأمريكية، نيجى نطلب من البنك الدولى انه يوقع معانا الاتفاق النهائى علشان يدينا الـ ٢٠٠ مليون دولار، سيفرض البنك الدولى شروطه، وحنكون قدام حاجة من الاتنين؛ يا إما نرفض هذه الشروط، يقول: ارفضوا مااديكوش.. مافيش.. يا تقبلوا شروطى.. مافيش، وبعدين نيجى ونقف فى وسط المشروع ونبقى صرفنا ٣٠٠ مليون دولار هباء، نبقى رميناها فى البحر، أو نضطر ان احنا نخضع ونستسلم ونقبل شروط البنك الدولى انه يبعت واحد يقعد مطرح وزير المالية، ويبعت واحد يقعد مطرح وزير التجارة، ويبعت واحد يقعد مطرحى، واحنا نبقى قاعدين فى هذه البلد ما نعملش حاجة إلا بعد ما ناخد منهم التعليمات وناخد منهم الأوامر
دا الفخ اللى ظهر، وبعدين قررنا، وأبلغنا مدير البنك الدولى ان احنا قررنا ألا نبدأ فى السد إلا بعد توقيع اتفاقية المياه مع السودان الشقيق، وبعد توقيع الاتفاق النهائى مع البنك الدولى، ونعرف شروطه إيه، وأوله إيه ونهايته إيه، وان احنا ادينا أوامر بإيقاف العمل فى هذا المشروع من شهر فبراير فى الحاجات اللى ماشية هناك؛ حتى لا ندخل فى مغامرة يتحكم فينا الاستعمار بسببها، ويحاول أن يستغلنا اقتصادياً ويسيطر علينا اقتصادياً بعد أن فشل فى أن يستغلنا سياسياً ويسيطر علينا سياسياً
وبلغنا هذا الكلام لمدير البنك الدولى، ومدير البنك الدولى قال: طيب أنا مستعد أغير الشروط، وأبعت لكم جواب مافيهش الكلام اللى أنتم بتشتكوا منه. قلت له هل تضمن لى إن الجواب اللى حتبعته مافيهش هذا الكلام هو الاتفاق النهائى، واللا هذا الجواب اللى أنا حابتدى على أساسه المشروع شىء والاتفاق النهائى شىء آخر؟ فلم يضمن أن يكون الاتفاق النهائى مماثل للجواب
قلت له طيب نكتب الاتفاق دلوقت ونمضى عليه دلوقت ونؤجله، نقول ينفذ بعد توقيع اتفاقية المياه مع السودان، بس نكون عارفين قبل ما نبتدى إيه شروطكم. فرفض، وقال: لأ ما نقدرش نمضى اتفاق إلا بعد ما تتفقوا مع السودان وتحلوا مشاكلكم القانونية، وانتم تقدروا تبتدوا دلوقت فى المشروع بفلوسكم - بالسبعين مليون دولار - وبعدين فى نص السكة نبتدى نتفاوض علشان نعقد لكم القرض
طبعاً كانت هناك خدعة.. كان هناك خديعة كبيرة جداً.. العملية توريط علشان نتذل لهم، ونقع تانى تحت رحمتهم، يتحكموا فينا. قدامنا حلين: يا نبنى السد ونسيبه ككوبرى، وما نرضاش نقبل شروطهم، يا نقبل شروطهم علشان نكمل السد، فى نفس الوقت تكون فلوسنا - الـ ٣٠٠ مليون دولار - استنزفت وراحت فى الهوا بدون أن نأخذ منها أى نتيجة
قررنا ألا نبدأ فى السد إلا بعد أن نعلم كل العلم كيف سيمول السد، بعد ما نتفق مع البنك الدولى اتفاق نهائى، وبعد ما نتفق على اتفاقية الميه، وبعد ما نمول مواردنا، وقبل ما نبتدى فى الطريق نعرف ازاى حننتهى. وفى فبراير الماضى أوقفنا هذا العمل كله، ومدير البنك الدولى بعت لنا جواب.. طبعاً هذا الجواب ليس له قيمة، وأنا من هذا الوقت باعتبر ان هذا الجواب مالوش قيمة؛ لأنه جواب بيقول: ان أنا حاشترك معاكم بـ ٢٠٠ مليون دولار بعد حل الميه مع السودان، الفلوس تاخدها على أقساط بمفاوضات بين البنك وبينكم. لكن طبعاً هذا الجواب مافيش بنك يصرفه.. ليس له أى قيمة، والأيام اللى فاتت دى أثبتت طبعاً انه مالوش أى قيمة وليس له أى اعتبار. رغم هذا قررنا ان احنا نوقف وما نبتديش لغاية ما نعرف الطريق السليم، وبعدين الجواب اللى بعته لنا البنك الدولى ماكانش فيه أى حاجة تمس سيادتنا، أو سيطرة على ماليتنا، أو كلام من دا فقبلنا هذا الجواب
ولكن كانت هناك مذكرة الحكومة البريطانية ومذكرة الحكومة الأمريكية؛ اللى كانوا بعتوها مع الجواب الأولانى، وبيقولوا فيها برضه بعض حاجات تمس سيادتنا، وتبين أن هناك نية إلى سيطرة اقتصادية وتحكم اقتصادى
ففى فبراير السفير الأمريكى والسفير الإنجليزى فى مصر بلغوا ان احنا غير موافقين على هذه المذكرات، وانكم إذا كنتم عايزين تقدموا هذه المعونة قدموها ولكن بمذكرة تشيلوا منها كل كلام يبين انكم حتسيطروا على سياستنا أو على سيادتنا أو على اقتصادنا، وأى كلام يمثل السيطرة على استقلال مصر، والكلام دا. راحت المذكرتين للحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية من فبراير، وطبعاً ما رجعش أى رد عن المذكرتين حتى الآن
فى مارس.. قبل مارس فى ٢٩ فبراير، كان الكلام اللى قبل كده بيقولوا إنهم.. بريطانيا عايزة تتوسط بينا وبين إخوانا السودانيين فى سبيل الوصول إلى تفاهم، فجا "سلوين لويد" فى ٢٩ فبراير وتقابلنا عندى فى البيت، وابتدا يتكلم إنه عايز.. بيعرض انه يعاون على حل المشاكل الخاصة بالمياه بينا وبين السودان. فأنا قلت له والله إن تصرفاتكم تدل على انكم ما انتوش بتحلوا المسائل ولكن بتعقدوا المسائل، تصرفاتكم فى السودان وتصرفات جرائدكم ومحطة إذاعتكم كلها متجهة إلى إثارة السودانيين ضد السد العالى، وهذه وقائع ملموسة. جميع المقالات اللى فى جرايدكم، محطة إذاعة لندن، محطة إذاعة الشرق الأدنى - اللى هى بتاعة الإنجليز - كلهم بيقولوا تعليقات الغرض منها بث روح الخوف والرفض فى إخوانا السودانيين. بعدين قلت له والأنكى من هذا سفارتكم فى الخرطوم بتلم المقالات دى كلها وطبعتها فى كتاب ووزعتها فى الخرطوم، وبتقول للسودانيين: إن السد العالى ضد مصالحكم، وإن السد العالى ضدكم، وانكم كذا وكذا وكذا، ودا يفهمنى انكم عايزين تخلقوا عداء بين مصر والسودان، دا كلام مع "سلوين لويد"
فمنين هذه الوقائع الملموسة بتحصل، ومنين انت دلوقت جاى بتقول إنك عايز تقوم بدور وسيط بين مصر والسودان، أو تساعد على حل المشاكل المعلقة بالسودان؟ كان الواضح - يا إخوانى - ان الإنجليز بكل قوة، وبكل ما يستطيعوا من قوة بيحاولوا يبثوا روح الكراهية فى إخوانا السودانيين؛ لأن الإنجليز طبعاً يهمهم ان احنا نقع مع السودان، وإذا وقعت مصر مع السودان سيستطيعوا هم انهم ينفذوا لحماية أى منهم ضد الآخر
الكلام دا حصل فى فبراير.. فى نفس الوقت وقف "لورد كليرن" - كلنا نعرف "اللورد كليرن" - فى مجلس اللوردات البريطانى وقعد يشتم فى مصر ويقول: مصر ازاى نديها المساعدة؟ مصر ازاى نعاونها؟ مصر اللى ما بتسمعش كلامنا، مصر اللى النهارده بتنادى بحرية، وبتتزعم الدعوة التحريرية، وبتحاربنا فى كذا، ازاى نديها الـ ٥ مليون جنيه؟! فيجب ان احنا ما نديش مصر الـ ٥ مليون جنيه.. ويجب ان احنا ما نديش مصر ٥ مليون جنيه ونقطع عنها هذه المعونة... وكلام فى منتهى البذاءة.. كلام من "لورد كليرن".. طبعاً كلكم عارفين مين هو "اللورد كليرن"، وبدأ فى مجلس العموم كلام بهذا الشكل
**********
فى يوم ١٤ مارس قابلت السفير البريطانى فى البيت، وقلت له احنا شعب عاطفى، يمكن احنا نفضل الكلمة الحلوة عن مليون دولار، ولا نقبل الشتيمة بـ ١٥ مليون دولار، والكلام اللى بيتقال عندكم من النواب واللوردات و"كليرن" بالذات كلام لا نقبله. احنا ما طلبناش منكم هذه المعونة، واحنا قبلناها حتى لا يكون رفضنا لها يعتبر إهانة. انتم اللى عرضتم انكم تدفعوا ٥ مليون، احنا ما رضيناش نقول لأ، واحنا دولة مش غنية قوى لكن دولة غنية، الـ ٥ مليون نستطيع ان احنا نوفرهم. وقلت له احنا نستطيع ان احنا نوفر ٥ مليون جنيه، لو دقينا زلط زيادة شوية وطلعنا طوب زيادة شوية من مصر نجيب الـ ٥ مليون جنيه اللى انتم بتدوهم معونة، فاحنا واخدين هذه المعونة علشان ما نرفضهاش، وعلشان ما يبانش ان دا يعنى خطوة من مصر بترفض علامة حسنة منكم. قبلناها، ولكن إذا تكرر هذا الكلام فاحنا حنرفضها، واحنا نستطيع ان احنا نشتغل زيادة شوية، نكسر طوب زيادة شوية، نجيب ٥ مليون جنيه فى مصر؛ لأن دخلنا القومى أكتر من ٩٠٠ مليون جنيه
وسار الحال على هذا الأساس، وبعدين ما ردتش لا الحكومة البريطانية ولا الحكومة الأمريكية على المذكرات اللى احنا بعتناها
طبعاً حصل فى فبراير تانى.. حصل فى أواخر فبراير ان "جلوب" انطرد من الأردن، وان "سلوين لويد" أما راح البحرين حاصروه هناك وضربوه بالطوب، وبيقولوا: دا نتيجة كلام مصر. حصلت اضطرابات فى عدن نتيجة ان العمال طالبين رفع الأجور، وبدأت حملة شنيعة من أول مارس فى الصحافة البريطانية ضد مصر، لدرجة ان فيه واحد نائب اسمه "فريزر".. "يوز فريزر"، قال: احنا لازم نشوف لنا طريقة نخلص من مصر، نروح نعمل سد عند النيل من أوغندا وكينيا ونمنع الميه عن مصر علشان نخلص منها خالص! دا يعنى يبين الجنون اللى وصلوا إليه هؤلاء الناس
بدأت حملة شديدة من الكراهية.. ان احنا بنهددهم فى أرزاقهم، وان احنا بنهددهم فى البترول اللى بياخدوه. وأنا أعلنت واديت تصريح فى الصحف البريطانية، وقلت ان احنا ليس لنا أى دخل فى المصالح الاقتصادية المشروعة لأى دولة فى هذه المنطقة - زى الكلام اللى طلع فى مؤتمر بريونى - ولكنا نقاوم ما تسمونه بمناطق النفوذ.. لا يمكن ان احنا نبقى منطقة نفوذ لحد.. لا يمكن أبداً أن يقف واحد فى البرلمان الإنجليزى أو مجلس العموم ويقول منطقة النفوذ البريطانية فى الشرق الأوسط أو منطقة النفوذ فى مصر، دا موضوع ما نقبلوش، أما مصالحكم المشروعة احنا موافقين عليها.. ليس لنا أى اعتراض عليها.. مصالحكم الاقتصادية المشروعة ليس لنا أى اعتراض عليها
فى شهر يونيو سنة ١٩٥٦ - الشهر اللى فات - تقررت زيارة وزير خارجية روسيا إلى مصر - "مسيو شيبيلوف" - وفى نفس الوقت بعت مدير البنك الدولى قال: إنه عايز ييجى فى هذا الوقت، قلنا له: اتفضل أهلاً وسهلاً. حدثت المحادثات.. حدثت محادثات بين الحكومة المصرية و"مسيو شيبيلوف" - وزير خارجية الاتحاد السوفيتى - وعرض وزير خارجية الاتحاد السوفيتى استعداده لمعاونة مصر فى جميع الميادين التى تطلب المعونة فيها، إلى درجة إعطاء قروض طويلة الأجل (تصفيق)، وقال: إن كل حاجة سيتعاونوا فيها حتكون بدون قيد ولا شرط، وان احنا اللى علينا نطلب منهم. وقال: ان احنا ما احناش عايزين منكم مواد خام؛ لإن احنا عندنا جميع المواد الخام، وقال أيضاً "شيبيلوف" - وزير خارجية روسيا - قال، وقال لى هذا الكلام: ان احنا مش عايزين نوقع بينكم وبين الدول الغربية؛ لإن احنا بنتجه إلى السلام ويهمنا أن يكون فيه سلام بينكم وبين الدول الغربية، وقال: ما تعتبرش ان احنا غرضنا من ان احنا نتعاون معاكم ان احنا نثيركم على الدول الغربية أو نخلق اضطرابات، احنا بنعمل الآن على كسر حدة التوتر فى العالم؛ ولهذا سياستنا انكم تكون علاقتكم كويسة مع الغرب، واحنا نتعاون معاكم، ولا نهدف أبداً إلى إثارتكم مع الغرب
شكرت وزير خارجية روسيا على هذا الكلام، وقلت له ان احنا نؤجل الكلام فى التفاصيل لحين زيارتى إلى روسيا فى شهر أغسطس
تانى يوم جا مدير البنك الدولى.. وجا قابلنى فى البيت بالليل الساعة ١٠ أو بعد ١٠، وقال: إنه جاى ليؤكد ان البنك الدولى عند وعده اللى قاله فى شهر فبراير، وانه مصمم على تمويل هذا المشروع، وانه يستطيع انه يقول إن الحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية - وهو متصل بهم - برضه عند هذا الوعد، فقلت له: واحنا برضه عند الكلام اللى كنا فيه فى فبراير حنتفاوض ونتفاهم، وما احناش حنبتدى المشروع إلا بعد ما نصل إلى الاتفاق النهائى
دا الكلام اللى حصل لغاية حوالى ٢٠ يونيو من الشهر الماضى. وصل سفيرنا فى أمريكا إلى مصر، وقابل "دالاس" قبل ما ييجى، وجا قال لى: إنه هو فى مقابلته "لدالاس.. هم عايزين يمولوا المشروع ويستمروا فى معونة المشروع، ولكن همه حاسين ان احنا ما احناش عايزين. قلت له والله احنا عايزين هم يمولوا المشروع واحنا حاسين إن هم مش عايزين، دا اللى احنا حاسينه، وإنك انت تقدر تسافر هناك وتقول لهم: ان احنا عايزين نتكلم ونتفاوض لتمويل هذا المشروع
وصل أحمد حسين - سفيرنا فى واشنطن - إلى مقر عمله على انه يقابل "دالاس" ويبعتوا الرد على المذكرات اللى احنا بعتناها، ويقولوا لنا رأيهم النهائى فى هذا الموضوع
وبعد يومين أعلنت الحكومة الأمريكية بيان فى الصحف، وصفت البيان دا أول امبارح بما يستحقه - حاقراه النهارده - أذاعته وزارة الخارجية يوم ٢٠/٧ قالت فيه: إنهم اشتركوا فى ديسمبر ٥٥ مع إنجلترا ومع البنك الدولى فى عرض مساعدة مصر، وبعدين قالوا: إن هذا المشروع ذو جسامة بالغة، إتمامه يستغرق زمن يتراوح بين ١٢ سنة و١٦ سنة، تقدر نفقاته بنحو ١٣٠٠ مليون دولار، منها أكثر من ٩٠٠ مليون دولار بالعملة المحلية. وبعدين اتكلموا على حقوق فى مياه النيل.. هذا المشروع لا يؤثر فى حقوق مصر ومصالحها وحدها، بل يؤثر كذلك فى حقوق بلاد أخرى ومصالحها، تساهم فى مياه النيل، ومنها السودان وإثيوبيا وأوغندا
طبعاً أول مرة يثيروا إثيوبيا وأوغندا، وبرضه بيحاولوا يعملوا فتنة بين مصر وبين السودان - زى ما قلت لكم فى الأول - بهذا البيان. هم يهمهم طبعاً ان الدول فى هذه المنطقة تتخانق مع بعضها، وكل دولة تقع مع التانية، وكل دولة تروح تقول لأمريكا: تعالى ساعدينى أحسن الدولة دى تعتدى على والدولة دى تغتصب منى كذا، وبهذا ييجوا هم ويتحكموا فى هذه المناطق
لم يثار ولا فى تقرير البنك الدولى موضوع إثيوبيا ولا موضوع أوغندا. وموضوع السودان أنا بلغتهم انكم مالكوش دعوة بموضوع السودان، لا عايزين وساطتكم ولا عايزين مساعدتكم ولا عايزين منكم أى حاجة، ان احنا اتكلمنا مع السودانيين، وإخوانا السودانيين متفاهمين معانا، جميع الفئات. أما جا هنا إسماعيل الأزهرى اتكلمت معاه، والراجل كان مستعد لأن نتفاهم، واحنا كنا مستعدين نتفاهم، ماكانش واحد فينا بيحدد... حينما وصل الميرغنى حمزة - وزير الرى فى السودان - اتكلمنا وكل واحد فينا ريح التانى، ما حصلش شد وجذب، ماكانش باين ان احنا بنختلف اختلاف مرير، أما جا عبد الله خليل - رئيس وزارة السودان الحالى - كانت روحه طيبة جداً
دى روح إخوانا السودانيين بجميع فئاتهم وبجميع أحزابهم، مافيش داعى بقى للإنجليز ولا الأمريكان يتدخلوا علشان يتوسطوا، واللا علشان يحاولوا انهم يقربوا. قلت لهم يعنى انتم مالكوش دعوة، بس بلاش المنشورات اللى بتوزعوها والكراسات اللى بتوزعوها ضد المشروع. لكن طبعاً وزارة الخارجية قايمة بتقول: مصالح السودان ومصر. مصالح السودان ومصر تقررها السودان ومصر، وإيه دخل واشنطن فى هذا الموضوع؟.. إيه دخل أمريكا فى هذه العملية؟
مصر والسودان اتخلقوا بهذا الشكل، مربوطين فى بعض ماحدش حيقدر يفصلهم أبداً، موجودين من أول الخليقة حتى الآن؛ مصر فى الشمال والسودان فى الجنوب. مافيش دولة منهم حتعزل حتروح أمريكا الشمالية ولا أمريكا الجنوبية، قاعدين هنا إلى أبد الآبدين، دا كلام يعنى طبيعى، موضوع مفروغ منه، هم دخلهم إيه؟! ولكن حب الوصاية، وحب التحكم، وحب السيطرة، وإثارة النفوس، وإثارة المنازعات، وخلق البلبلة
وبعدين طبعاً دخلوا أوغندا علشان يدخلوا إنجلترا؛ لأن أوغندا تعتبر مستعمرة بريطانية، فبقت مصالح إنجلترا فى مياه النيل، وبعدين الحبشة
وبعدين البيان قال: إن هناك اعتبار هام آخر يتعلق بإمكان تنفيذ المشروع، ومن ثم بجدوى المعونة الأمريكية - المعونة الأمريكية اللى هم الـ ٥٤ مليون دولار، واللا الـ ٥٦ مليون دولار - المعونة الأمريكية من الناحية العملية وهو استعداد مصر وتوافر القدرة لديها على تركيز مواردها الاقتصادية فى هذا البرنامج الإنشائى الضخم، ولم تكن التطورات التى شهدتها الشهور السبعة الماضية ملائمة لنجاح المشروع
وعلى هذا انتهت أمريكا إلى أنه من غير العملى فى الظروف الحاضرة أن تشترك فى المشروع؛ إذ لم يتم الاتفاق بين الدول المشتركة فى مصادر مياه النيل، كما أن مقدرة مصر على تخصيص موارد كافية تضمن نجاح المشروع باتت أكثر افتقاراً إلى التوكيد مما كانت عليها عند تقديم العرض
التطورات اللى ظهرت فى الشهور السبعة الماضية، إيه هى؟ يا ترى دى تطورات اقتصادية واللا تطورات سياسية؟ فيه حاجة غريبة كمان فى هذا البيان الأمريكى أنا ما قريتهاش، بتقول: بيتكلموا.. وزير خارجية أمريكا بيكلم الشعب المصرى؛ يعنى بيقول: القرار دا لا ينم على تغيير فى العلاقات الودية بين الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكى والشعب المصرى؛ يعنى الكلام اللى احنا بنتكلم فيه دا بيتعلق بجمال عبد الناصر بس، ما بيتعلقش بالشعب المصرى، هم بيتكلموا رأساً إلى الشعب المصرى. طبعاً طريقة يعنى باين فيها... واحنا خبرناها بمئات السنين - آبائنا وأجدادنا - وعارفين الطرق دى
إيه التطورات اللى حصلت فى السبع شهور الماضية؟ بيشككوا فى الاقتصاد. فى السبع شهور الماضية الاقتصاد المصرى والإنتاج المصرى تدعم وزاد، من الناحية الاقتصادية فى سنين الثورة، وأنا حاقرا لكم كلام جاى فى تقرير للأمم المتحدة، اللى هو الكتاب الإحصائى السنوى للأمم المتحدة. الكتاب الإحصائى السنوى للأمم المتحدة بيقول: زاد مجموع الدخل القومى المصرى من ٧٤٨ مليون جنيه سنة ٥٢ إلى ٧٨٠ سنة ٥٣، إلى ٨٦٨ سنة ٥٤. يعنى احنا بنشتغل وبننتج وثروتنا بتزيد، ووضعنا الاقتصادى زاد.. دخلنا القومى كان ٧٤٨ سنة ٥٢، سنة ٥٤ بقى ٨٦٨، يعنى زدنا ١٢٠ مليون جنيه فى سنتين.. دخلنا زاد ١٢٠ مليون جنيه فى سنتين
زاد مجموع الدخل الزراعى فى سنة ٥٤/٥٥ بمبلغ ٣٨ مليون جنيه ١٥%، بلغ ٤٢٠ مليون جنيه بعد أن كان ٣٨٢، زاد الإنتاج الزراعى من ١٢٣% سنة ٥٢ إلى ١٣١% سنة ٥٤، برضه دا من نفس الكتاب الإحصائى بتاع الأمم المتحدة سنة ٥٥
سجل الإنتاج الصناعى فى سنة ٥٥ تقدماً كبيراً؛ إذ تراوحت نسبة الزيادة فى فروعه المختلفة بين ١٥% و٢٥%، وأنا اتكلمت عن هذا فى خطبتى اللى قلتها فى أول يونيو فى التعاون، بلغت الزيادة أقصاها فى إنتاج الحديد والزهر.. زاد إنتاج الحديد والزهر ٩٤%
انتعشت حركة المبادلات الخارجية فبلغت الصادرات المصرية فى المدة من أول يناير إلى آخر يونيه سنة ٥٦ (٩١) مليون جنيه؛ أى بزيادة قدرها ٢١ مليون جنيه... إلى آخر البيانات الاقتصادية اللى معروفة، واللى اتنشرت فى الميزانية
إيه التطورات اللى حصلت فى السبع شهور الماضية؟ هم بيحاولوا يبينوا ان هى تطورات اقتصادية، التطورات تطورات استقلالية، تطورات حرية، تطورات عزة، تطورات كرامة.. التطورات اللى حصلت فى السبع شهور الماضية ان احنا بنينا سد للعزة والكرامة، سد للحرية والاستقلال ضد الأطماع.. التطورات اللى حصلت ان احنا صممنا نقوى جيشنا ونسلح جيشنا، صممنا تكون لنا شخصية مستقلة، صممنا تكون لنا حرية مستقلة
الغرض طبعاً من هذا الإجراء اللى أعلن يوم ٢٠ يونيو.. وأنا باتكلم عن الحكومة الأمريكية مش حاتكلم عن الحكومة البريطانية؛ لأن الحكومة البريطانية أعلنت يوم ٢١، تانى يوم بعدما أعلنت الحكومة الأمريكية بعد ما وصلها الجواب من أمريكا، والبنك الدولى طبعاً أعلن بعد بريطانيا برضه، بعد ما وصلته التعليمات من أمريكا، فأنا باتكلم عن أمريكا فى هذا الموضوع، إيه الغرض من هذا؟ بيعاقبوا مصر؛ لأن مصر رفضت أن تقف بجوار التكتلات العسكرية. مصر نادت بالسلام وتحقيق حقوق الإنسان، مصر نادت بالمبادئ اللى كتبوها هم فى ميثاق الأمم المتحدة ونسيوها.. كتبوها بعد الحرب العالمية التانية ونسيوها، هى اللى احنا بنادى بها النهارده: الحرية، حق تقرير المصير، القضاء على الاستعمار، عدم الانحياز، التعايش السلمى الإيجابى، التعاون مع جميع الدول، نعادى من يعادينا ونسالم من يسالمنا. دا الكلام اللى بتنادى به مصر، ازاى نقدر نقول هذا ولا نسمعش كلام الكونجرس الأمريكى اللى بيمثل تكساس، اللى بيمثل مش فاهم إيه؟! ليه؟ ازاى ما ناخدش أوامرنا من هناك؟
ويقفوا أعضاء الكونجرس.. من قيمة شهر ونص أو شهر وقف واحد من أعضاء الكونجرس يقول: ازاى مصر تتبع هذا الكلام وتتبع سياسة وما تسمعش كلامنا؟! اقطعوا المعونة عنها و... و... و... إلى أخره، ما تدوهاش المعونة اللى بتاخدها. واحنا ما بناخدش ولا مليم معونة منهم، حاجة يعنى غرور وتحكم فى الشعوب
**********
احنا رفضنا ان احنا نقبل هذا التحكم.. نقبل هذه السيطرة، بيعاقبونا بهذا بالـ ٧٠ مليون دولار اللى كانوا حيدوهم لنا على خمس سنين بـ ١٢ مليون دولار، وبيعاقبونا على هذا على أساس ان احنا بنعمل مشروع تنمية وعايزين ننمى الإنتاج ونرفع مستوى الإنتاج فى البلد، فبيقولوا: إنهم حيعطلوا لنا هذا، وبيقولوا فى جرايدهم: ان احنا بنعمل الكلام دا علشان الشعب المصرى يعرف ان ناصر ضره، والشعب المصرى يبقى يعنى يضغط عليه علشان يسمع كلام الأمريكان وكلام أمريكا
دا الكلام اللى بيقولوه فى جرايدهم، ما يعرفوش ان أنا بارفض لأن الشعب المصرى مش موافق على هذا الكلام اللى بيطلبوه، العملية بهذا الشكل، إجراء
احنا كنا مأجلين السد العالى، هم ابتدوا يقولوا ويتكلموا على تمويل السد العالى. حينما وصل "بلاك" - اللى هو مدير البنك الدولى - وابتدا يتكلم معايا فى تمويل السد العالى وقعد يقول: ان احنا بنك دولى، احنا ما احناش بنك سياسى، وأنا ماليش دعوة بأمريكا مطلقاً، أنا مستقل أقول الرأى اللى أؤمن به، فأنا قلت له إن مجلس الإدارة بيمثل دول، كيف يكون مجلس الإدارة بيمثل دول وما يكونش بنك سياسى؟ طبعاً أنت بنك سياسى؛ لأن ما تقدرش تعمل أى قرار إلا إذا وافق عليه مجلس الإدارة اللى بيمثل الدول، ومجلس الإدارة أغلبه من الدول الغربية اللى ماشية فى فلك أمريكا
وابتدأت أنظر إلى "مستر بلاك" - اللى هو قاعد على الكرسى - وكنت أتخيل ان أنا قاعد وقاعد قدامى "فرديناند ديلسبس"، رجع بى التفكير إلى الكلام اللى كنا بنقراه سنة ١٨٥٤؛ ١٨٥٤ وصل مصر "فرديناند ديلسبس" وراح لمحمد سعيد - سعيد باشا - اللى هو الخديوى، وقعد جنبه وقال له: عايزين نحفر قنال السويس، قنال السويس حتفيدك فائدة لا حد لها، قنال السويس مشروع ضخم سيعيد لمصر الكثير
كل "بلاك" ما كان يقعد يتكلم وأحس بالعقد اللى موجودة، والحاجات اللى موجودة فى الكلام اللى موجود، يرجع بى التفكير إلى "فرديناند ديلسبس". وبعدين قلت له اسمع.. ان احنا عندنا عقدة من هذه المواضيع، مااحناش عايزين نجيب "كرومر" فى مصر تانى علشان يحكمنا. عملوا زمان قروض وفوايد على القروض، والنتيجة ان بلدنا احتلت، فأرجوك فى كلامك معايا تحط هذا الاعتبار فى نفسك؛ عندنا عقدة من "ديلسبس"، عندنا عقدة من "كرومر"، عندنا عقدة من الاحتلال السياسى عن طريق الاحتلال الاقتصادى
دى الصورة اللى صورت؛ صورة "ديلسبس" حينما وصل إلى مصر. وصل "ديلسبس" إلى مصر فى ٧ نوفمبر سنة ١٨٥٤، حاحكى لكم هذه القصة: جا إسكندرية، وبدأ يعمل فى حذر وخديعة. فى ٣٠ نوفمبر سنة ١٨٥٤ بعد أن اتصل "ديلسبس" بالخديوى محمد سعيد حصل على امتياز القنال فى ٣٠ نوفمبر ١٨٥٤. فى صدر الامتياز اللى منحه سعيد "لديليسبس" قال الآتى: حيث أن صديقنا "مسيو فرديناند ديلسبس" قد لفت نظرنا إلى الفوائد التى قد تعود على مصر من توصيل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر - نفس القصة - بواسطة طريق ملاحى للبواخر - الفوائد اللى تعود على مصر - وأخبرنا عن إمكان تكوين شركة لهذا الغرض من أصحاب رؤوس الأموال، فقد قبلنا الفكرة التى عرضها علينا، وأعطينا بموجب هذا تفويضاً خاصاً لإنشاء وإدارة شركة لحفر قنال السويس، واستغلال القناة بين البحرين
دا.. الكلام دا كان سنة ١٨٥٤. فى سنة ١٨٥٦ - من ١٠٠ سنة بالظبط - طلع فرمان، اتكونت الشركة، مصر خدت من الشركة ٤٤% من الأسهم والتزمت بالتزامات "لديلسبس". شركة "ديلسبس" شركة خاصة مالهاش دعوة لا بحكومات، ومالهاش دعوة بسيطرة ولا باحتلال.. مالهاش دعوة بالاستعمار. "ديلسبس" بيقول للخديوى: أنا صديقك جاى عايز أفيدك وأعمل لك قناة بين البحرين تستفيد منها
اتكونت شركة قناة السويس، اشتركت مصر بـ ٤٤% من الأسهم، وتعهدت مصر بإنها تدى العمال اللى يحفروا القنال كسخرة - ١٢٠ ألف عامل ماتوا فى حفر القنال - مجاناً. حفرت القنال بأرواحنا وجماجمنا وعظامنا ودمائنا، دفعنا ٨ مليون، وبعدين علشان "ديلسبس" يتنازل عن امتيازات أو بعض الامتيازات كنا بندفع له تعويضات. كان مفروض ان احنا ناخد أيضاً ١٥% من الأرباح اللى زيادة على الأرباح اللى بتاخدها هذه الأسهم - ٤٤% أسهم، ١٥% من الأرباح - تنازلنا عن ١٥% من الأرباح، وبعد ما كانت القناة محفورة لمصر - زى ما قال الخواجة "ديلسبس" للخديوى - بقت مصر ملك للقناة
فى اتفاق ٢٢ فبراير سنة ١٨٦٦ ابتدأت الاتفاقات، مادة ١٦، قال: بما أن الشركة العالمية لقنال السويس البحرية شركة مصرية فإنها تخضع لقوانين البلاد وعرفها. هل خضعت فعلاً لقوانين البلاد وعرفها؟ لغاية دلوقت لم تخضع لقوانين البلاد ولا عرفها، بل تعتبر نفسها دولة داخل الدولة. المنازعات التى تنشأ بين الشركة ومصر فى مصر بين الشركة والأفراد من أى جنسية، تختص بالفصل فيها المحاكم المصرية تبعاً للأوضاع التى تقررها قوانين البلاد وعاداتها.. تختص المحاكم المصرية بالفصل فى المنازعات التى قد تنشأ بين الحكومة المصرية والشركة، ويقضى فيها طبقاً للقوانين المصرية
نتيجة الكلام اللى قاله "ديلسبس" للخديوى سنة ١٨٥٦ والصداقة والديون.. النتيجة احتلال مصر سنة ١٨٨٢. مصر اداينت فى هذا الموضوع، عملت إيه؟ اضطرت مصر فى عهد إسماعيل إنها تبيع نصيبها الـ ٤٤%، على طول إنجلترا بعتت تشترى الـ ٤٤% نصيب مصر فى قنال السويس، تشتريها بكام؟ بـ ٤ مليون جنيه. وبعدين كان إسماعيل متنازل عن الأرباح اللى كان بياخدها، ٥% للشركة نظير تنازلها عن بعض الامتيازات اللى اداها لها، فاضطر بعدما إنجلترا اشترت منه الـ ٤٤% من الأسهم بأربعة مليون جنيه. انه يدفع لها سنوياً ٥% نظير الأرباح اللى هو كان تنازل عنها، فدفع لها أكثر من ٤ مليون جنيه؛ أى أن بريطانيا أخذت أسهم مصر الـ ٤٤% مجاناً
دا التاريخ اللى حصل فى القرن الماضى، هل التاريخ يعيد نفسه تانى بالخداع والتضليل؟! وهل يكون الاستقلال الاقتصادى.. هل يكون الاستقلال أو التحكم الاقتصادى والسيطرة الاقتصادية سبباً فى القضاء على حريتنا السياسية واستقلالنا السياسى؟
لا يمكن مطلقاً - أيها الإخوة - أن يعود التاريخ مرة أخرى. احنا النهارده ما بنكررش اللى فات، احنا النهارده بنقضى على اللى فات، احنا النهارده بنبنى بلدنا بناء قوى سليم جديد، وفى نفس الوقت حينما نتجه إلى الخلف إنما نتجه لنقضى على آثار الماضى؛ آثار الماضى البغيض اللى ترتبت على السيطرة علينا، آثار الماضى البغيض اللى حصلت غصب عننا، آثار الماضى البغيض اللى عملوها المستعمرين خداعاً وتضليلاً
النهارده قنال السويس - أيها الإخوة - اللى احنا مات من أبنائنا فيها ١٢٠ ألف حفروها بالسخرة، دفعنا فى تأسيسها ٨ مليون؛ قناة السويس اللى أصبحت دولة داخل الدولة، اللى ذلت الوزرا والوزارات وكانت تعصى على كل واحد، هذه القناة قناة مصرية، شركة مساهمة مصرية، اغتصبت بريطانيا مننا حقنا فيها الـ ٤٤% من أسهم الشركة، ويا ريت اديتنا فلوس، خدتهم وخدت عليهم فلوس، ولازالت بريطانيا من وقت افتتاح القنال حتى الآن بتاخد قصاد الـ ٤٤% دول فوايد، الدول كلها بتاخد فوايد، والمساهمين بتاخد فوايد، ودولة داخل الدولة، وشركة مساهمة مصرية
دخل قنال السويس فى سنة ١٩٥٥، ٣٥ مليون جنيه؛ أى ١٠٠ مليون دولار.. دخل الشركة المصرية، شركة قنال السويس المصرية ١٠٠ مليون دولار؛ ٣٥ مليون جنيه، بناخد منهم احنا - اللى مات من أبنائنا ١٢٠ ألف وهم بيحفروها، واللى دفعنا فلوس بنائها - بناخد مليون جنيه؛ ٣ مليون دولار
شركه قنال السويس اللى قامت - زى ما قال الفرمان - من أجل مصلحة مصر ومن أجل منفعة مصر، بتجيب ٣٥ مليون جنيه دخل سنوى؛ ١٠٠ مليون دولار. عارفين الأمريكان والإنجليز حيدونا مساعدة أد إيه فى الخمس سنين؟ ٧٠ مليون دولار٧٠، وعارفين ١٠٠ مليون دولار دى مين اللى بياخدها؟ - اللى بتيجى سنوياً - هم طبعاً
**********
مش عيب أبداً ان أنا أبقى فقير وأحاول استلف وأبنى بلدى، أو أحاول أن أجد مساعدة لأبنى بلدى، ولكن العيب ان أنا أمتص دماء الشعوب وأمتص حقوق الشعوب.. دا العيب
احنا لن نكرر الماضى أبداً، ولكن سنقضى على الماضى؛ سنقضى على الماضى بإننا نستعيد حقوقنا فى قنال السويس. هذه الأموال أموالنا، هذه القنال ملك لمصر؛ لأنها شركة مساهمة مصرية، حفرت قنال السويس بواسطة أبناء مصر، ١٢٠ ألف مصرى ماتوا وهم بيحفروها.
شركة قنال السويس - اللى قاعدة فى باريس - شركة مغتصبة؛ اغتصبت امتيازاتنا.. "ديلسبس" أما جا هنا كان جاى زى ما جا "بلاك" علشان يتكلم معايا، نفس العملية.. التاريخ لن يعيد نفسه، بل بالعكس حنبنى السد العالى، وسنحصل على حقوقنا المغتصبة.. حنبنى السد العالى زى ما احنا عايزين، حنصمم على هذا.. ٣٥ مليون جنيه كل سنة بتاخدها شركة القنال.. ناخدها احنا، ١٠٠ مليون دولار كل سنة بتحصلها شركة القنال لمنفعة مصر.. نحقق هذا الكلام، يبقى الـ ١٠٠ مليون دولار نحصلهم احنا لمنفعة مصر برضه
**********