يقول الشيخ جمال الدين الصرصري:
محمد المبعـوث للنـّاس رحمـة
يشيد ما أوهى الضلال ويصلـح
لئن سبحت صم الجبـال مجيبـة
لداود أو لان الحديـد المصفـح
فإن الصخور الصم لانـت بكفـه
وإن الحصـا فـي كفـه ليسبـح
صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله يا علم الهدى ما هبت النسائم و ما ناحت على الأيك الحمائم، يا من أشرقت السماء بنوره و أشرقت الأرض بهديه وعلمه، ماذا أقول يا سيدي؟ يا سراج الدنيا وضياءها، بعد أن قال رب العزة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً (46)} [سورة الأحزاب: 45-46] يا من أرسلك الله رحمة للعالمين، للإنس والجن وجميع الكون {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [سورة التوبة: 128]، فأنت يا سيدي يا رسول الله رحمة للمسلمين و للكافرين ورحمة للنّاس أجمعين، فداك أبي وأمي وروحي يا رسول الله، لو جعلت البحار مدادا أسطر وأكتب بها شمائلك لجفت البحار ولم أنتهي من ذكر بعض محاسنك، فقد كان خلقك القرآن.
آه يا حبيبي يا رسول الله لا يبغضك إلاّ كافر منافق، قاسي القلب، مطموس الفطرة، عديم العقل، جفت فيه كل ينابيع الخير، يا رسول السلام، يا سيد الأنام، يا حبيب الرحمن، حبك دين وإيمان وبغضك كفر وعصيان، كيف لا وقد أمرنا الله أن نحبك أكثر من أنفسنا وأهلينا وجميع من نعرفهم في الأكوان، فبقدر نقص حبك ينقص الإيمان، ويأتي غضب وعذاب الرحمن.
و ماذا أفعل يا حبيبي؟ وقد لامني النّاس فأكثروا لومي، وقالوا: ألا تحتفلي بمولد خير الأنام؟ يا ناقصة المحبة، يا ضعيفة الإيمان، فقلت لهم: هل محبة النبي بأكل العرائس والحلوى ودق الطبول والرقص والتمايل على الأذكار؟ هل علامة المحبة أكل الفطير والسميط وأشهى الطعام؟ وقد جعل النبي يوم الاثنين يوم جوع وصيام، فإن كان الاحتفال بمولده قربة وإيمان، فأين الدليل من السنة أو القرآن؟ فقالوا لي: هذه عبادة حسنة يا أخت الشيطان، فقلت لهم: الصلاة أعظم عبادة فهل أصلي الفجر أربع؟ هاتان ركعتان، زيادة قربي لذي السلطان، فالقربى والعبادة يلزمها دليل في جميع الأديان، ألم تعلموا أنّ الله جعل علامة حبه سبحانه و من علامات الإيمان؟ إتباع النبي واقتفاء آثره بلا زيادة أو نقصان، وإلا كان هذا الحب زور وبهتان، إليكم عني فأنتم لا تعرفون قدر نبي الله في قلبي، لو كان حبيبي احتفل به لكنت أول المحتفلين، ولكنه لم يحتفل به، فلما تلومونني وأنا لهديه من المتبعين ولنهجه أحني الجبين؟ لما تلومونني ولم يحتفل به الصديق صاحب الغار ولا عمر المغوار ولا عثمان المختار ولا علي وآل البيت الأطهار ولا الأئمة الأربعة ولا أي أحد من هؤلاء الأخيار؟ فهل حبهم لنبيهم كان ناقص المقدار؟ وهل إتباعي لحبيبي الرسول وخلفائه والأئمة الأربعة عيب وشنار؟ ألا تعلمون أنّ أول من احتفل به العبيديين ـ المسمون زورا الفاطميين ـ الفجار؟ من قال شاعرهم لحاكمهم: احكم فأنت الواحد القهار، فقربه إليه وقال أنت ناصر آل البيت الأطهار، وقد احتفلوا بمولده وهو نفس يوم موته فيالهم من خبثاء أشرار، وكان الصحابة إذا تذكروا هذا اليوم بكوا لمصيبة فقده، فيا للعار هل أتبع الفاطميين الكفار وهم جيش الشيطان الجرار؟ وأترك هدي الرسول ـ الذي لم ينقص في الدين ـ وأصحابه الأخيار، وقد كانوا على القربات أكثر حرصا وأكثرعلما وإصرار، فأنا أتبع هدي الرسول وصحابته وآل بيته ومن غير هديه يجب الفرار، فمن يحتاط لدينه من الأبرار أم ترون أنّه من الفجار؟ فقالوا لي: سنفكر في الأمر إن شاء الرب الغفار، فقلت: يا ربي اهدي أحبتي الأبرار واجعلهم دائما على هدي النبي المختار.
يا أخوة الإيمان، إن رسولنا يسب وجميعنا يهان من النصارى عباد الصلبان، ولن ينصر الله إلاّ أهل الإيمان، فلنتمسك أكثر بالدين والإسلام، ولا نفرط في هدي خير الأنام حتى يرضى علينا الرحمن ونعيش في عزة وأمان.
فديتُ نبيَّ الله بالروحِ راضيـا *** أقدّم روحـي دونـه وفؤاديا
إذا نابه سوءٌ من القول نابنـي *** صنوفُ تباريحٍ تُشيب النواصيا
فديت الذي للكون درّةُ تاجه *** أمـوتُ ويبقـى ذكـره متعاليا
إذا ما سماء الكون أضحت نجومها *** بكفّـهِ نالت مـن يديه الأمانيا
وأشرقت الأكوان طرَّا بهديـه *** ويبقى شروقُ الكونِ ما دام باقيـا