جدة تستنسخ مقاهي القاهرة......محمد نوح 2009

جدة تستنسخ مقاهي القاهرة

على أنغام أم كلثوم وبنكهة مصرية خالصة


مقاه سعودية على الطريقة المصرية


من التصاميم التي شاركت في المسابقة (تصوير: جاك جبور)

جدة: علي شراية
على أنغام أغنية «الست» أم كلثوم... بعيد عنك حياتي عذاب... تتعالي اصوات وقفشات النوادل وهم يمخرون عباب الدخان الكثيف المتصاعد من افواه مدخني الشيشة واحتراق المعسل، وبين ضربات قطع حبات لعبة الطاولة، تطل من أحياء مدينة جدة السعودية أجواء مستنسخة من البيئة المصرية يحرص على نقلها اعداد من المقيمين المصريين في جدة.
هذه الاجواء التي تنقل الحياة من الاحياء المصرية العريقة في الحسين والسيدة زينب والعتبة الخضراء، استقطبت كثيرا من السعوديين والعرب كونها تحمل نكهة مصر المتفردة، فنافسوا المصريين في مقاعد تلك المقاهي المستنسخة.

ولم يكتف اصحاب المقاهي بالشكل فقط بل عمدوا الى نقل اسماء اشهر تلك المقاهي الى جدة، «الحسين»، «العمدة»، «الفيشاوي»، وغيرها من المقاهي الشهيرة انتقلت بجوها وطابعها العام إلى احياء وشوارع مدينة جدة، مستخدمة كافه السبل لاستقطاب زبائنها من خلال تقديم المشروبات المصرية أو حتى من خلال تهيئة الديكور والجو العام.

هذه الظاهرة التي بدأت في الانتشار منذ فترات طويلة، شهدت زيادة مطردة في الفترة الأخيرة، وزاد رواجها الاستثمار المصري والسعودي المشترك، وسندها وجود الجالية المصرية الكبيرة في السعودية وخاصة في مدينة جدة بحسب عدد من المستثمرين في تلك المقاهي.

الداخل لتلك المقاهي في الإحياء السعودية يتبادر إلي ذهنه مباشرة الأجواء المصرية في منطقه خان الخليلي والعتبة وأم المصريين من خلال الجو العام الذي يبرز من تلك المقاهي والمفردات التي تتكرر من قبل مقدمي الخدمات.

يقول شريف علي العبد الله انه يحب الذهاب إلي هذه المقاهي بسبب تأثره بها خلال فترة الصيف حيث زار القاهرة بصحبة زملائه، وكان معتادا على الذهاب إلى مقاهي القاهرة الشهيرة.

حضور وزوار المقاهي من جميع الفئات والأعمار واللاغىيات، هذا ما يؤكده فرج الخليفة، «المعلم» كما يناديه زبائن مقهى الخليل، والذي اقتبس اسمه من احد أشهر المقاهي في منطقه خان الخليلي، ويضيف بأنه ظل يسعى دائما إلى وضع البصمة المصرية على المقهى بغرض استقطاب اكبر عدد من الحضور، وذلك من خلال وضع الجلسات المصرية الخاصة التي احضرها معه من مصر خصيصاً، والتي تتكون من الكراسي الخشبية والطاولات، إضافة إلى الألعاب المصرية الشهيرة التي تمارس في المقاهي مثل لعبة الطاولة، والدومينو والشطرنج، الى جانب الاواني الخاصة بالمشروبات.

ويشير «المعلم» فرج إلى ضرورة الاختيار الجيد لعمال الخدمة، وقال إن اكثر الاوقات التي يزدحم فيها المكان هى اوقات المباريات الرياضية خاصة المصرية منها، وقال «عندها تجد المكان يكتظ بعدد كبير جدا من ابناء الجالية المصرية، وتسمع الكثير من الأهازيج المصرية، وتشعر وكأنك في احد شوارع القاهرة».

وأشار في الوقت ذاته إلى الحضور السعودي وتأقلمهم وإلحاحهم الشديد على تناول المشروبات المصرية مثل الينسون والحلبة والعناب والسحلب والشاي «الكشري»، أضافه إلى الزبادي بالخلاط مع العسل أو السكر، والمعسلات المصرية الخاصة التي كانت مقصورة فقط على المصريين، مثل معسل السلوم والزغلول والقص والتي تحمل نكهة مصريه خالصة.

علي الغامدي الشاب في جامعة الملك عبد العزيز مع أربعة من زملائه يحيطون باحدى الطاولات ويمسكون بمعسلاتهم والأدخنة تتطاير من افواههم في كل الاتجاهات يتبادلون الحديث معا، لفتوا الانظار إليهم عندما صاح احدهم مناديا على النادل بـ«يا ولعة»، ويستجيب الآخر مباشرة من مكان بعيد «ايوة جاي»، ورد على تساؤلنا بقوله «هكذا ينادون هناك على الشخص الذي يقوم بتغيير الجمر على الشيشة». العامل المقصود جاء مسرعا وقام بحركات بهلوانية في تدوير وتحريك الجمر تنم عن خبرة، ولكن تفاجأت عندما علمت انه يقوم بتلك الحركات ليزيد الفحم اشتعالا.

مجموعه أخرى من المصريين تحلقت حول احدى الطاولات التي احتدم فيها اللعب بين متنافسين في لعبه الطاولة، بينما لا تغادر اياديهم خراطيم المعسلات، وامام كل منهم كوب من الشاي الكشري. شاذلي محمد، احد مرتادي هذه المقاهي تحدث عن الفرق بين المقاهي المصرية والسعودية، وسبب الإقبال الكبير على الاولى، وقال ان ثقافة المقاهي أصلا ثقافته مصرية، دخلت السعودية في الثمانينات من القرن الماضي عن طريق الإعلام، مشيرا إلى ان المقهى المصري يمتــاز بجلسات خفيفة والطاولات والكراسي، عكس المقاهي السعودية التي تعتمد المجالس العربية. وقال ان المقاهي المصرية تحوي جهاز تلفاز أو اثنين، على العكس من المقاهي السعودية التي تضع أجهزة التلفاز في كل مكان، مشيرا إلى اقتصار الجلسة كاملة أحيانا على جهاز تسجيل صغير يصدح بإحدى أغنيات أم كلثوم، وتجد الجميع طربا يرددون معها، متسائلا بلهجته المصرية «مش كده أحسن!!».