لم اليوم عن ليلة خير من ألف شهر.. {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}.. ليلة قال الله تعالى عنها: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.. فهيا بنا نتجول في رياضها نتنسم شذا معانيها..
لماذا سميت ليلة القدر؟
القدر من علو المنزلة، ولذلك من عظم قدرها كررت في السورة ثلاثة مرات: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر الآيات من 1 :3]؛ قدرها جاء من نزول القرآن على النبي في هذه اليلة فقدرها من قدر القرآن، ولذلك كل مميزات القدر تتمثل في هذه الليلة.
فالقرآن هدى ورحمة للمؤمنين، إذن هذه الليلة هدى ورحمة للمؤمنين، القرآن نور، فهذه الليلة هي نور القرآن، شفاء للمريض في هذه الليلة يصيبه من نور هذه الليلة فيشفى ويغفر له؛ فمن يدرك هذه الليلة يدرك مميزات القرآن، وكأن القرآن تجسد فيه في هذه الليلة، ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} يعني أن شرف وعِظم وثواب هذه الليلة يفوق قدرة البشر على الاستيعاب؛ فمهما تصورت وحاولت أن تعرف ثواب وقدر هذه الليلة فلن تدرك هذا.
وسميت ليلة القدر لسبب آخر؛ لأنها الليلة التي تقدر فيها الأرزاق والآجال؛ فعامك القادم يقدر في هذه الليلة؛ فإذا أقمتها ساجداً عابداً فهذه بشرى خير أن هدايتك وسعادتك وزرقك مضمونة هذا العام بفضل عبادتك هذه الليلة.
ولذلك يقول الله في سورة الدخان: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان الآية 2،3]؛ فحكمة الله في إدارة السنة تتضح في هذه الليلة؛ ولكن ليس وضعك ومستقبلك أنت بل مستقبل الأمة بأكملها.
فحشود من الملائكة عدد قطرات المطر يتنزلون من السماء احتفالاً بليلة بداية الهداية، يتنزلون بالهداية والرحمة والخير، من أجل أن يستغفروا لنا.
ولكن ليس الملائكة؛ بل سيدنا جبريل فتقول الآية: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر الآية 4]؛ مع أن مهمة سيدنا جبريل الأصلية هي نزوله بالوحي على الأنبياء؛ ولكن لماذا ينزل في هذه الليلة بعد وفاة آخر نبيّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وكأن نزوله هو بمثابة الذكرى السنوية لنزوله كل عام في رمضان ينزل بالوحي على سيدنا محمد، وكأنه يتفقد القرآن في الأرض، ويتذكر أول ليلة نزل فيها بالقرآن على النبي، وهو يحتضنه، وهنا يقول العلماء كلمة جميلة: هذا الحضن من باب القوة من أجل أن يقوي النبي ويخفف عليه هول الموقف، والبعض الآخر يقول: إنها ضمة شوق للرسالة؛ حيث كانت آخر مرة نزل بها كان على سيدنا عيسى.
الثواب فيها أنها:
1. خير من ألف شهر فالعبادة في هذه الليلة، وكأنك عمرك كله تعبديّ الله، والبكاء في هذه الليلة، وكأنك تبكي عمرك كله من خشية الله وصلة الرحم والصدقة والصلاة.
2. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
3. الدعاء في هذه الليلة مستجاب؛ فيقول سفيان الثوري: "والله الدعاء في هذه الليلة أفضل عندي من الصلاة؛ لأني متيقن من الإجابة".
4. أنها ليلة عتق ليس كغيرها من ليالي رمضان.