بلاغ كوم
تسودُ ظاهرة مؤسفة في محيط الجيل المعاصر من الشبّان والفتيات في اعتبار الوالدين (دقّة قديمة) واستصغارهما بوحي من هذا التصوّر السلبيّ غير المستند إلى دليل سوى أنهما - أي الوالدين - من جيل، وأنهم - أي الشباب - من جيل آخر.
الفارق بين الجيلين إذا نظر إليه من زاوية الزمن، نعم، قد تكون المقولة - إلى حدّ ما - صحيحة، لأن الأبناء ولدوا لزمان غير زمان الآباء، وقد تغيّرت أمور واستحدثت أساليب وأطر للتعامل جديدة غير تلك التي كانت متداولة على عهد الآباء.
هنا تبرز عدة ملاحظات.
الأولى: أن الزمن لصالح الآباء أكثر منه للأبناء، فهم (مخضرمون) أي جامعين لتجربتي الزمن المنصرم والراهن، وبالتالي فإن قدرتهم على التعاطي - إذا خلا تعاطيهم من التعصّب والعقدة - أرحب، لأنهم يتعاملون بنكهتين، وبذوقين، وبتجربتين أيضاً.
الثانية: لا يمكن اعتماد الزمن فارقاً حاسماً أو أوحداً، أو إسفينا بين جيلين، هو عامل من بين باقة عوامل تؤثر في هذا الجيل أو ذاك.
الثالثة: التجربة أثبتت أنه ليس كل قديم مرفوض بسبب قدمه، ولا كلّ جديد محبوب ومطلوب لجدّته، فالمعيار في الفرز هو قيمة القديم وقيمة الجديد، أي كم يقدّم كلّ منها من ثراء معرفي للجيل السابق أو اللاحق.
جدلية الجيلين: (القديم) و(الجديد) سترافق كلّ جيلين يفصل بينهما جدار (وهمي)، وهي ليست مثار جدل بقدر ما هي مسألة قراءة متفحصّة لطبيعة كلّ جيل.
الجيل القديم (الآباء) او الأسلاف (آباء وأجداد) يمثل (الجذور) وهذا يعني أنهم يمثلون (العمق) و(الأصالة) و(الرسوخ).
الجيل الجديد (الأبناء ذراري وأحفاداً) يمثلون (الأغصان) أي أنهم يمثلون (الامتداد) و(الانطلاق) و(الانتشار) والحركة في الفضاء الحرّ أو الهواء الطلق.
هل هناك فصل عضوي أو بنيوي أو حتى آلي بين الأغصان والجذور؟
العارفون بأسرار وطبيعة النباتات ينفون (الفصل) ويؤكدون (الوصل).. الجذور تغوص في التربة.. تمدّ أعراقها في أعطاف التراب بما يشدّها ويثبّتها أكثر.. تمتصّ أملاحها ومعادنها وماءها لتقدمها هدية خالصة للاغصان التي تقفُ في انتظار (التموين) الدائم والمستمر.
خضرة الاغصان والأوراق، ونضارة الثمار ليست من مجرد تفاعلها مع ضوء الشمس والهواء، إنّما بما يصلها من إمدادات لا تنقطع.
هل لنا - بعد هذا - أن نتصور أغصاناً تعيش بلا جذور، أو جذوراً تحيا بلا أغصان؟ إذاً لكانت شجرة الحياة غير الشجرة التي نعرفها!
: