حكى ان احد الملوك طللع يوما الى أعلى قصره يتفرج فلاحت منه التفاته ، فرأى امرأة على سطح دار الى جنب قصره لم ير الراءون احسن منها ،فالتفت الى بعض جواريه فقال : لها لمن هذه ؟ فقالت يا مولاى هذه زوجة غلامك فيروز قال: فنزل الملك وقد خامره حبها وشقف بها فستدعى فيروز وقال له : يا فيروز قال لبيك يا مولاى قال خذ هذا الكتاب وامض الى البلد الفلانية وائتنى بالجواب . فاخذ فيروز الكناب وتوجه الى منزله , فوضع الكتاب تحت رأسه وجهز امره وبات ليلته فلما اصبح ودع اهله وسار طالباً حاجة الملك ولم يعلم بما قد دبره الملك ،
( 2 )
اما الملك فانه لما توجه فيروز قام مسرعاً وتوجه متخفياً الى دار فيروز ، فقرع الباب قرعاً خفيفاً فقالت امرأة فيروز: بالباب ؟ قال انا الملك سيد زوجك ففتحت له فدخل فقالت له : أرى مولانا اليوم عندنا ،فقال: زائر قالت أعوذ بالله من هذه الزيارة وما أظن فيها خيراً فقال لها : ويحك انا الملك سيد زوجك وما أظنك عرفتينى فقالت :بل عرفتك يا مولاى ولقد علمت أنك الملك ولكن سبقك الاوائل فى قولهم :
سأترك ماءكم من غير ورد .
وذاك لكثرة الوراد فيه
اذا سقط الذباب على طعام
رفعت يدى ونفسى تشتهيه
وتجنبت الاسود ورود ماء
اذا كان الكلاب ولغت فيه
ويرتجع الكريم خميص بطن
ولا يرضى مساهمة السفيه
وما أحسن يا مولاى قول الشاعر :
قل للذى سفه الغرام بنا
وصاحب الغدر غير مصحوب
والله لا قال قائل ابداً
قد أكل الليث فضلة الذيب
ثم قالت : ايها الملك تأتى الى موضع شرب كلبك لتشرب منه ؟
قال : فاستحيا الملك من كلامها وخرج وتركها فنسى نعله فى الدار .
هذا ما كان من الملك
( 3 )
وأما ما كان من فيروز فانه لما خرج وسار تفقد الكتاب فلم يجده معه فى رأسه فتذكر أنه نسيه تحت فراشه فرجع الى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره فوجد نعل الملك فى الدار فطاش عقله وعلم ان الملك لم يرسله فى هذه السفرة الا لامر ضمره فسكت ولم يبد كلاماً وأخذ الكتاب وسار الى حاجة الملك ،فقضاها ثم عاد اليه فأنعم عليه بمائة دينار فمضى فيروز الى السوق واشترى ما يليق بالنساء وهيأ هدية حسنة وأتى الى زوجته فسلم عليها وقال لها قومى الى زيارة بيت ابيك قالت وما ذاك ؟ قال ان الملك انعم علينا واريد ان تظهرى لأهلك ذلك فقالت حباً وكرامةً ثم قامت من ساعتها وتوجهت الى بيت ابيها ففرحوا بها ، وبما جاءت به معها فأقامت عند أهلها شهراً فلم يذكرها زوجها ولا الم بها ، فأتى اليه اخوها وقال : يا فيروز اما ان تخبرنا بسبب غضبك واما ان تحاكمنا الى الملك فقال : ان شئتم الحكم ،فافعلوا، فما تركت لها حقاً على فطلبوه الى الحكم فاتى معهم وكان القاضى اذ ذاك عند الملك جالساً الى جانبه .
( 4 )
قال اخو الصبية : ايد الله مولانا قاضى القضاة انى اجرت هذا الغلام بستاناً سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة ، واشجار مثمرة ،فأكل ثمره وهدم حيطانه واخرب ببئره ،فالتفت القاضى الى فيروز وقال له : ما تقول يا غلام ؟ فقال فيروز : ايها القاضى قد تسلمت هذا البستان وسلمته اليه احسن مما كان فقال القاضى : هل سلم اليك البستان كما كان ؟ قال نعم ولكن اريد منه السبب لرده ، قال القاضى ما قولك ؟ قال والله يا مولاى ما رددت البستان كراهة فيه ، وانما جئت يوماً من الايام فوجدت فيه اثر الاسد ،فخفت ان يغتالنى فحرمت دخول البستان اكراماً للأسد قال وكان الملك متكئاً فاستوى جالساً ، وقال يا فيروز ارجع الى بستانك آمناً مطمئناً فو الله ان الاسد دخل البستان ولم يؤثر فيه اثراً ولا التمس منه ورقاً ولا ثمراً ولا شيئاً ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة وخرج من غير بأس ، والله ما رأيت مثل بستانك ولا أشد احترازاً من حيطانه على شجره ، قال : فرجع فيروز الى داره ورد زوجته ولم يعلم القاضى ولا غيره بشىء من ذلك .
انتـــــــــــــــــــــــــــــهت
انشاء الله تكونوا استمتعم كما انا مع بلاغة العرب وفصاحتهم