في أحضان بيتها
نشأت ريتا وترعرعت في أحضان بيت ملتزم بالنصرانية، وحينما كانت صغيرةً كانت تذهب إلى كنيسة الرهبان التي تعرف بالتزامها الشديد بالكتاب المقدس، حيث كان لزاماً على النساء والفتيات أن يغطين رؤوسهن، وإذا جاء بعضهن إلى الكنيسة كاشفات رؤوسهن أسرعت الكنيسة بإعطائهن غطاءً للرأس، ورغم أنّ أيّام الأحد هي أيّام راحة إلاّ أنّه لا يسمح لهم بمشاهدة التلفاز أو التنزه في الحدائق أو غسل الملابس أو عمل أي نوع من الأعمال الدنيوية، حتى الألعاب التي كانوا يمارسونها كان لابد أن يكون لها علاقة بالكتاب المقدس!
وحينما بلغت الثامنة من عمرها أصبحت مسيحية تعتقد أنّ المسيح يرعاها.. وبأنّ الله أرسله لأنّ الأنبياء فشلوا في أن يعيدوا الإنسان إلى الله، وكانت ريتا في ذلك الوقت تخاف أن يأتي المسيح ليأخذ النصارى إلى الجنة ويتركها لوحدها، وكان ذلك دافعاً رئيساً لتمسكها بالنصرانية.
وفي سن الرابعة عشرة عُمدت حيث وُضعت في حوض به ماء لكي تتصور أنّها تخلصت من حياتها القديمة وأصبحت طاهرة تستقبل حياة جديدة مع المسيح ولأنّها أصبحت مسيحية فإنّ كل ذنوبها قد غُفرت كما أخبروها، لأنّ المسيح صُلب من أجلها وتحمل عنها ذنوبها، كما منحها التعميد مكاناً في الجنّة.. والآن هي تتعجب من نفسها كيف كانت تؤمن بهذا الهراء؟!
نشاطها في الكنيسة...
بعض الكنائس المهتمة بالروح القدس تزعم أنّ كل مُعمد في الروح القدس يستطيع التحدث بلغات شتى كأنّه ملهم من عند الله.. وبينما كانت تعمل في كندا ذهبت إلى إحدى الكنائس وتقدمت في نهاية الصلاة لكي تستقبل الروح القدس، وأُمرت بأن تفتح فمها وأن تتكلم بهذه الألسن الجديدة، ولكن للأسف لم يحدث شيء من هذا!!
هذا الموقف مثل لها صدمة كبيرة، رغم ذلك سارت على خُطى المسيح وتعاليمه، حيث سافرت إلى الهند للعمل لمدة عامين، وبعدها قضت عاماً ثالثاً في الفلبين، وكانت الكنيسة في بلدها فخورة بها واعتبرتها إحدى المبشرات لها؛ إلاّ أنّ ريتا وجدت الكثير من مواقف التحدي التي كان تعللها دائماً: بأنّ ما فعله المسيح من أجلهم كان دليلاً، وساعدها إيمانها على التمسك بأخلاقها.. ومنذ ذلك الوقت بدأ شكها في الدين المسيحي لمدة سنوات، قابلت ريتا العديد من النّاس الذين ينتمون إلى الأديان الأخرى، حينئذ وجدت الكثير من التناقضات في الكنيسة المسيحية، وأثناء عودتها إلى بريطانيا كانت تبحث عن كنيسة تناسبها، بعدما فقدت الثقة في الكنيسة البروتستانتية، وأعطتها الكنيسة الإنجيلية بعض الأسس، ولكنّها كانت من صنع البشر وتعتمد على الطقوس.
وعندئذ أقلعت ريتا عن الفكر المسيحي.. ولكنها كانت على إيمانٍ بالله وفي ذلك الحين لم يكن لديها فكرة أنّ هناك بديلاً آخر.
نقطة التحول...
في ذلك الوقت كانت ريتا تعمل في شرق لندن في حي المسلمين في مجال التنصير لبعض سنوات، على أساس أنّه تجمع شبابي عمالي، وكان لديها بعض الأصدقاء الطيبين، وأصبحوا كعائلة بالنسبة لها ورحبوا بها كثيراً، وتأثرت بوضوح دينهم وبطريقة صلاتهم أمامها وبحديثهم عن دينهم بدون أي تخبط، أو تردد فأدركت ريتا أنّ الإسلام هو الذي يوجه حياتهم إلى حد كبير، حيث الصوم والصلاة والعلاقات العائلية الدافئة.. وغير ذلك.
ولم يدر بخاطرها أبداً أن تعتنق دين الإسلام.. فقط أحبت أصدقاءها المسلمين وطريقتهم في الترحاب بها في حياتهم، وفي عملها استطاعت أن تتعامل مع البنات المسلمات الملتزمات في مساعدتها في الزيارات المنزلية، وفي الوقت نفسه حاولت إقناع الآباء أن يسمحوا لبناتهم بالذهاب معهم في الرحلات اليومية أو داخل المساكن، وفي إحدى المساكن تعرفت ريتا على فتاتين ملتزمتين تصليان أمام الآخرين وتتحدثان بحماس شديد عن إسلامهما، لم تكن ريتا تسمع عن هذا الجانب في الدين الإسلامي من قبل، ولهذا تأثرت تأثراً كبيراً.
من التنصير إلى الإسلام...
وبمرور الوقت بدأت ريتا بتدريس اللغة الإنجليزية في العديد من أماكن تعليم الكبار، وفي أحد الفصول الليلية قابلت ريتا نموذجا ًحيا ًللطالب المسلم الملتزم النشيط، هذا الطالب لم يفتأ يتحدث عن الإسلام، وسألها عدة أسئلة عن الدين المسيحي، مثل: ما هي معتقداتها؟ وما هو الثالوث؟ وما هي الشرائع التي تتعلق بالأيتام والمواريث؟ الخ... وحاولت أن ترد عليه، ولكن المشكلة تكمن في أنّها هي كانت تبحث لنفسها عن أجوبة لهذه الأسئلة! لقد تعجبت كيف أنّها قضت معظم حياتها في المسيحية ولكنّها لم تستطع أن ترد على مثل هذه الأسئلة التي تعد من أساسيات الدين، واضطرت لأن تقول إنّ هذه الأشياء تعود إلى الدين وأنّ عليك التسليم بها، ورغم ذلك كانت تعلم أنّ هذا الرد ليس كافياً، واتضح لها جليا ًقصور النصرانية أمام وضوح منطقية الإسلام.
لذة القرب من الله...
بعد ذلك الموقف مع الطالب المسلم لم تستطع ريتا مقابلة أي من الذين اعتنقوا الإسلام، ولم تستطع أن تخبر أحداً عما يدور في داخلها، وكانت تشعر وكأنّها منشار يتم تجميعه ببطء، وجدت أنّ مفهوم الإله الذي تعتقده هو نفس مفهوم الإسلام له، واكتشفت حاجتها إلى الصلوات الخمس، وأعجبتها الصلاة لأنّها مرتبة وبها طمأنينة، وأخبرها الطالب المسلم أنّها حين تسجد تكون أقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا فإنّه من الأفضل أن تسأل الله كل ما تريد، وحينما فعلت ريتا ذلك لأول مرة وجدت نفسها في سعادة غامرة.. ومنذ ذلك الحين داومت على تعلم الصلوات؛ بالرغم من أنّها لم تكن قد أسلمت.
لقد شعرت أنّها وجدت الهدوء النفسي ووحدة المعتقد والسلوك في آن واحد، أزال عن نفسها لوعة معايشة التناقض بين السلوك والعقيدة النصرانية، وهو ما كانت تبحث عنه منذ سنوات، وتشجعت، فقابلت بعض الذين اعتنقوا الإسلام من الكاثوليك والبروتستانت، وكلهم كانوا عوناً كبيراً لها وأجابوا على أسئلتها وشكوكها ومخاوفها.
عام من العبادات قبل إشهار الإسلام...
كان شهر رمضان يقترب، وأرادت الصيام، ولم تخبر أحداً في العمل ولكنّها كانت تبدأ العمل مبكراً وتذهب إلى المنزل لتتناول الإفطار.. علمت أنّ المسلمين يحرصون على قراءة القرآن أثناء هذا الشهر.. وبالرغم من أنّ هذا شيء كانت تتجنبه منذ فترة طويلة إلاّ أنّه حان وقته، وحينما بدأت قراءة الآيات القرآنية أحست براحة نفسية غير عادية، وأيقنت بعدها أنّ هذا القرآن كتاب تعبدي واقعي.. وأكد عندها أنّه لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له.. كانت ليالي الصيام مريحة في القراءة، ممّا ساعدها على إنهاء قراءة القرآن قبل نهاية شهر رمضان.. وكانت تلك المرة الأولى التي صلت فيها أمام النّاس، ولكنّها حتى هذا الوقت كانت مضطرة لأن تقول إنّها ليست مسلمة، فمر عام كامل وهي تؤدي العديد من العبادات قبل أن تعلن إسلامها.
القرار الأخير...
أثناء المقابلات تعرفت على بعض النساء المسلمات اللاتي لهن اهتمام بأعمال الخير والبر.. وبعد أن تركت هؤلاء المسلمات قالت لنفسها: إذا كان هناك هذا النوع من المسلمات.. فلماذا هذا الخوف؟!
ولم يبق من أجزاء المنشار داخل نفسها سوى الجزء المتعلق بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولأنّها كانت تعتقد أنّ المسيح هو آخر الأنبياء فقد أخذ منها وقتاً لتسلم أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله، وفي لحظة ما جال في خاطرها أنّه إذا كانت تؤمن بأنّ القرآن من عند الله فلابد أنّه منزل على رسول ليبلغ كلام الله، فلماذا تنكره؟ فبدون رسول الله لن يكون هناك قرآن ولا سنة.
وانتهى الأمر بها في نهاية شهر رمضان لأن تعلن أنّه لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله.. حقاً إنّها بعض الكلمات البسيطة ولكنّها استغرقت عاماً حتى تقولها من قلبها.. وهذا الأمر كان منذ خمس سنوات، وهذا أفضل قرار اتخذته في حياتها.
وقد أنعم الله سبحانه وتعالى عليها بزوج مسلم وأربعة أطفال تقوم على تربيتهم تربية إسلامية ...
الدور الواجب على كل مسلم...
دخل الإيمان قلب ريتا وأحست بنور الله يسري بداخلها فأحست بعظم هذا الدين وأحست أنّه من الواجب على كل شخص اعتنق هذا الدين العظيم وأصبح مسلماً أن يبلغ هذا الدين ويبين للنّاس عظمته وعدله، وأنّه الدين الوحيد الذي لن يقبل الله غيره ديناً ...
فهي على يقين بأنّه يجب على كل مسلم أن يكون عنصراً فعالاً يقدم شيئاً لأمته، ولا يكتفي بأن يكون مسلماً فحسب.. لذا قامت (هي وزوجها أبو سليمان) بإنشاء مركز لتعليم اللغة العربية، بدأ أعماله في يناير عام 2000م نظراً لحاجة المنطقة في شرق لندن إلى مركز يُعلم الإسلام، وبدأوا العمل مع الأطفال من سن 4-5 سنوات مع 15 طالباً نظراً لضيق المكان، رغم أنّ هناك العديد من الطلبات.
ويقوم أبو سليمان بتدريس اللغة العربية لمدة أربعة أيّام في الأسبوع، ونظراً لزيادة الطلب على المركز فإنّهم يبحثون عن مكان أوسع لمواصلة رسالتهم بإذن الله.
فكل مسلم يعتنق هذا الدين العظيم مكلف بأن يسعى لنشره وتعليمة لأنّه رسالة خالدة وبه تكون النجاة
قريبا اجمل القصص الواقعيه والمؤثره جدا وفيها من العبر