أوقات نهى الشَّارعُ عن الصلاة فيها
• الوقت الأول: من صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح؛ يعني: قَدْرَ متر تقريبًا في رأي العين، ويُقدَّرُ بالنسبة للساعات باثنتي عشرة دقيقةً إلى عشرِ دقائقَ، ولكن الإحتياطُ أن يزيدَ إلى رُبعِ ساعة، فنقول بعد طُلوع الشَّمس برُبعِ ساعة ينتهي وقتُ النَّهي، والدليل حديث أبي سعيد مرفوعا «لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» [متفق عليه]، والمعتبر بصلاة الفجر صلاة كل إنسان بنفسه فلو فرض أن الناس صلوا صلاة الفجر وأنت لم تصل فإن وقت النهي في حقك لم يدخل، ولو فرض أنك صليت قبل الناس فإن وقت النهي في حقك دخل، وإن لم يصل الناس.
• الوقت الثاني: حين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول الشمس، وذلك في منتصف النهار قبل زوال الشمس بنحو عشر دقائق أو قريبًا منها، ودليل ذلك: حديث عُقبة بنِ عامرٍ قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن. أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع. وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس. وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» [رواه مسلم] والشاهد: قوله: « ينهانا أن نصلِّيَ فيهنَّ».
• الوقت الثالث: من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، والمعتبر صلاة كل إنسان بنفسه، فإذا صلى الإنسان العصر حرمت عليه الصلاة حتى تغرب الشمس، عن قتادة قال أخبرنا أبو العالية عن بن عباس قال سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وكان من أحبهم إليﱠ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس» [رواه الترمذي حديث صحيح].
• مسألة: ما الحكمةُ مِن النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات؟
الجواب مِن وجهين:
أولاً: يجب أن نعلمَ أنَّ ما أمرَ اللهُ به ورسولُه، أو نهى اللهُ عنه ورسولُه فهو الحكمة، فعلينا أن نسَلِّمَ ونقول إذا سَأَلَنَا أَحدٌ عن الحكمة في أمْرٍ مِن الأمور: إن الحكمة أمرُ اللهِ ورسولِهِ في المأمورات، ونهيُ اللهِ ورسولِهِ في المنهيَّات، ودليل ذلك: مِن القرآن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: من الآية36]. وسُئلت عائشةُ: ما بَالُ الحائضِ تقضي الصَّومَ ولا تقضي الصَّلاةَ؟ فقالت: «كان يصيبنا ذلك فنؤمرُ بقضاء الصَّوم ولا نؤمر بقضاء الصَّلاةَ»، فاستدلَّت بالسُّنَّةِ ولم تذكرْ العِلَّةَ، وهذا هو حقيقة التسليم والعبادة؛ أن تكونَ مسلِّمًا لأمرِ اللهِ ورسولِهِ عرفتَ حكمته أم لم تعرف، ولو كان الإنسان لا يؤمن بالشيء حتى يعرف حكمته؛ لقلنا: إنك ممن اتَّبعَ هواه، فلا تمتثل إلا حيث ظهرَ لك أنَّ الإمتثال خير.
ثانيًا: أنَّ هذه الأوقات يعبدُ المشركون فيها الشَّمسَ، فلو قمت تُصلِّي لكان في ذلك مشابهةً للمشركين، لأنهم يسجدون للشَّمسِ عند طلوعها، وعند غروبها، أما عند قيامها فقد عَلَّلَهُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن جهنَّمَ تُسْجَر، أي: هذا الوقت يُزاد في وقودها؛ فناسب أن يبتعد النَّاسُ عن الصَّلاة في هذا الوقت؛ لأنه وقت تُسجر فيه النَّار، فهذه حكمتُه. عن عمرو بن عبسة قال صلى الله عليه وسلم «صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار» [صحيح الجامع].
ما هي الصلوات التي تصح في أوقات النهي؟
1) يجوز في وقت النهي قضاء الفرائض
مثاله: أن ينسى الإنسانُ صلاةَ الظُّهر، ويصلِّي العصرَ على أنه قد صَلَّى الظُّهر، وبعد أن صَلّى العصرَ ذكر أنه لم يُصلِّ الظّهرَ، ففي هذه الحال يقضيها ولو بعد صلاة العصر، والدَّليل قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن نَامَ عن صلاة أو نسيَهَا فليصلِّها إذا ذكَرَهَا» [متفق عليه] وهذا عامٌّ يشمل جميع الأوقات، ولأن الفرائض دَيْنٌ واجب فوجب أداؤه على الفَورِ مِن حين أن يعلمَ به.
مثال آخر: رَجُلٌ لما صَلَّى العصرَ ذكر أنه صَلَّى الظُّهرَ بغير وُضُوءٍ، ففي هذه الحال يلزمه قضاءُ صلاةِ الظُّهرِ، ولو بعدَ صلاة العصر.
2) فعل ركعتي طواف:
يجوز في الأوقات النهي فِعْلُ ركعتي طواف، والدَّليلُ: قولُ النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «يا بَنِي عَبدِ مَنَافٍ، لا تمنعوا أحدًا طَافَ بهذا البيتِ وصَلَّى فيه أيَّةَ ساعةٍ شاءَ مِن ليلٍ أو نهارٍ» فقال: «أيَّةَ ساعةٍ شاءَ مِن ليلٍ أو نهارٍ» وهذا صريحٌ بأنه لا يجوز لهم أن يمنعوا أحدًا طافَ بهذا البيت في أيِّ ساعة كانت لا بعدَ العصر ولا بعد الصُّبح ولا في أيِّ وقتٍ.
3) إعادة جماعة:
أي: أنه يجوز في وقت النهي أنْ يعيدَ الإنسانُ الجماعةَ. فإذا أتى مسجدَ جماعةٍ، ووجدهم يُصلُّون وقد صَلَّى، فإنَّه يُصلِّي معهم، ولو كان وقتَ نهي، مثال ذلك: رَجُلٌ صَلَّى العصرَ في مسجدِه، ثم أتى إلى مسجدٍ آخر ليحضُرَ الدَّرسَ مثلاً؛ فوجدَهم يُصلُّون؛ فإنَّه يُصلِّي معهم. والدَّليلُ عن يزيد بن الأسود قال: «شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف قال: فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه، فقال: علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا. إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة» [صحيح رواه الترمذي وأبو داود والنسائي]. وهذا صريحٌ في جواز إعادة الجماعة في وقت النَّهي.
4) سُنَّةُ الظُّهرِ(البعدية) التي بعدَها إذا جُمِعت مع العصر:
مثاله: رَجُلٌ جَمَعَ العصرَ مع الظُّهرِ جَمْعَ تقديم، فقد دَخَلَ وقتُ النَّهي في حَقِّهِ، لأنَّ النَّهيَ مُعلَّقٌ بالصَّلاةِ في هذه الحال، ولم يُصَلِّ راتبه الظُّهرِ البعديَّةَ؛ فلا بأسَ أن يصلِّيها بعدَ العصرِ.
5) مَن دَخَلَ يومَ الجُمُعةِ والإمامُ يخطُبُ فإنَّه يُصلِّي ركعتين خفيفتين ولو كان عند قيام الشمس:
ودليل ذلك: «أنَّ رَجُلاً دَخَلَ والنبي صلى الله عليه وسلم يخطُبُ يومَ الجُمُعَةِ، فجَلَسَ، فقال له: «أصَلَّيتَ؟ قال: لا، قال: قُمْ فَصَلِّ ركعتين وتجوَّزْ فيهما» [رواه البخاري] فلو أَنَّ الإمامَ جاءَ قبل أنْ تزولَ الشَّمسُ والجُمُعةُ يجوز أنْ يحضُرَ الإمامُ فيها قبلَ الزَّوالِ ويَشْرَعَ في الخطبةِ عند قيامِ الشَّمسِ وقبلَ أنْ تزولَ، أي: في وقْتِ النَّهي فإذا دَخَلَ رَجُلٌ، ففي هذه الحال نقول: صَلِّ تحيةَ المسجدِ ولو في وَقْتِ النَّهي.
6) الصلاة المقرونة بسببٌ يجوز فِعْلُها في أوقاتِ النَّهي ومثالها:
• دخول المسجد: فلو أن شخصًا دخل المسجد بعد صلاة الصبح، أو بعد الفجر فأنه يصلي تحية المسجد؛ لأن هذه الصلاة لها سبب.
• كسوف الشمس: فلو كسفت الشمس بعد صلاة العصر، وقلنا إن صلاة الكسوف سنة فإنه يصلي الكسوف، أما إذا قلنا بأن صلاة الكسوف واجبة فالأمر في هذا ظاهر؛ لأن الصلاة الواجبة ليس عنها وقت نهي إطلاقًا.
• إذا توضأ الإنسان: فإذا توضأ الإنسان جاز أن يصلي ركعتين في وقت النهي؛ لأن هذه الصلاة لها سبب.
• صلاة الإستخارة: فلو أن إنسانًا أراد أن يستخير فإنه يصلي ركعتين، ثم يدعو دعاء الإستخارة، فإذا أتاه أمر لا يحتمل التأخير فاستخار في وقت النهي فإن ذلك جائز.
مسائل أجاب عليها الشيخ بن عثيمين رحمه الله
• مسألة: لو أنَّ رجُلاً توضَّأ بعدَ صلاةِ العصرِ هل يُصلِّي سُنَّة الوضُوءِ، أم لا يُصلِّي؟
الجواب: إنْ توضَّأ ليصلِّي فلا يجوز؛ لأنَّه تعمَّدَ الصلاةَ في أوقات النَّهي، وإن توضَّأ للطَّهارة صَلَّى على القول الصَّحيحِ ؛ لأن هناك فَرْقٌ بين مَن يتوضَّأ ليصلِّي في وَقْت النَّهي فلا يجوز أنْ يصلِّي، وبين مَن يتوضَّأ لا للصَّلاة فنقول له: إذا توضَّأتَ فصلِّ .
• مسألة: لو أنَّ رجُلاً تقدَّم إلى صلاةِ المَغربِ يومَ الجُمُعةِ في آخر النَّهارِ مِن أجلِ أن يُصلِّي تحيَّةَ المسجدِ حتى يشمله الحديث: «إنَّ في الجُمُعَةِ لساعةً، لا يوافِقُها عبدٌ مسلمٌ قائمٌ يُصلِّي يسألُ اللهَ شيئًا إلا أعطَاهُ إيَّاهُ»، فهل نقول: إنَّ هذا حرامٌ، أو نقول: إنَّ هذا جائزٌ؟
الجواب: إنْ قَصَدَ المسجدَ ليصلِّيَ؛ فهذا حرامٌ، وإنْ قَصَدَ المسجدَ مِن أجل التقدُّم لصلاةِ المَغربِ، ثم لمَّا دَخَلَ صَلَّى ركعتين مِن أجْلِ أنَّه دَخَلَ المسجدَ، حتى وإنْ كان لا يتقدَّم إلا يومَ الجمعة فإنَّه لا بأس به؛ وذلك لقولِه صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى».
• مسألة: عن حكم قضاء سنة الفجر بعد أداء صلاة الفجر في وقت النهي؟
أجاب فضيلته بقوله: قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لا بأس به على القول الراجح، ولا يعارض ذلك حديث النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؛ لأن المنهي عنه الصلاة التي لا سبب لها، ولكن إن أخر قضاءها إلى الضحى، ولم يخش من نسيانها، أو الإنشغال عنها فهو أولى.
• فائدة:
لا يُشرع للإنسانِ أنْ يتطوَّعَ بنافلةٍ بعد طُلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، فلو دخل رجل المسجدَ وصلَّى ركعتي الفجر، ولم يَحِنْ وقتُ الصَّلاة وقال: سأتطوَّعُ؟ نقول له: لا تفعل؛ لأنَّ هذا غيرُ مشروع، لكن لو فعلتَ لم تأثم، وإنما قلنا: غيرُ مشروع؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان يُصلِّي ركعتين خفيفتين بعد طُلوعِ الفجرِ يعني: حتى تطويل الرَّكعتين ليس بمشروع عن عائشة رضي الله عنها «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين قبل صلاة الفجر حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن» [صحيح، سنن أبي داوود].