البلوتوث...الي كل فتاه
ليست المسألة مجرد كاميرا..
المأساة لا تنتهي عند هذا الحد..
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، أمّا بعد..
فقد انتشر بين صفوف المسلمين ذلك الهاتف الذي يحتوي على (كاميرا تصوير)، وقد ظن كثيرون بادئ بدء أنّ المسألة لا تتعدى كونها كامير، فإذا بالأمر أبعد من ذلك بكثير، حيث صار هذا الهاتف مأساة بشعة، وله أبعاد مخيفة، حتى ضرب أعظم الأمثلة بنقله المجتمع إلى مستنقع الرذيلة وأودية التلف.
فصرتَ ترى رجالاً مفتونين يقلبون الصور في مجالسهم التي صارت كمجالس الأطفال!!
وصرت ترى نساءً خلعن جلباب الحياء يقلبن صور الفاجرات والعاريات!!
وهل تتلذذ بصورة الفاجرة إلاّ مثلها؟؟!
والأمر الأدهى الذي يفطر القلوب، ويُبكي العيون، أنّ كثيرا من النّاس يجهل حقيقة هذا الهاتف ففتح الباب لنسائه (الهاربات إلى الأسواق) ليلجن كل رذيلة، ولعله لا ينتبه إلاّ بعد وقوع الطامة على حد قول القائل:
ولا يتقون الشرَّ حتى يصيبَهم *** ولا يعرفون الأمرَ إلا تدبرا
وتأمل صفات هذا الهاتف حتى تعلم عظم المأساة:
- إنّ هذا الهاتف الذي تُصور فيه الصور، والتي بعضها إذا خرج يسفر عن وقوع فضيحة حتفظ بنسخة احتياطية، بحيث أنّه لو مُسحت الصور، فإنّ النسخة الاحتياطية لن تمحى، فيستطيع من مَلك الجهاز بعد ذلك بشراءٍ أو هبةٍ، أن يسترجع جميع الصور المحفوظة وإن كانت منذ زمن بعيد، فكيف بمن صور أو صورت بوضع لا يليق؟؟!! يا للحسرة..!!
- إنّ ممّا استحدثه أهل الهواتف برنامجا يطيل مدة التصوير إلى ساعات بعد أن كانت مدته ثلاث دقائق، ليصور أصحاب الهواتف مآسي النّاس وفضائحهم ثم بعد ذلك يتناقلونها بينهم، وهذا ممّا يجعل المرء عند تأمله يبكي ألم، ويعتصر حزنا..
اقرأ جيدا:
ـ أحدهم أراد أن يذل فتاة فصورها وهو يمارس معها الخطيئة، ثمّ قام بنشر أحداث هذه الواقعة على شبكات الإنترنت - إذلالاً لها - فما كان منها إلاّ أن انتحرت هربا من الفضيحة.
ـ وممّا ضج له المجتمع وبكى له حتى قساة القلوب، ما حدث قبل أيّام قلائل، حيث عمد بعض من نُزعت من قلوبهم الرحمة لتصوير فتاة وهي تُغتصَب من قِبَلِ رجلٍ دنيء، دون الالتفات لتوسلاتها وبكائها، ثم نُشرت هذه الصور بين النّاس لتُستكمل فصول الفضيحة.
هذا ما ظهر، وستر الله أعظم ولا شك، نسأل الله أن يعاملنا وإيّاكم بجميل ستره.
- والجريمة العظمى هي ما يحدث من تناقل فضائح النّاس والصور الفاحشة عن طريق (البلوتوث..!!)..
فإذا دخلت مجمعا تجاريا رأيت أسرابا من النّساء اللاتي لا رجال لهن، وقد علقت كلُّ واحدة منهن هاتفها في يدها (بطرا ورئاء النّاس وترفاً يُخشى عاقبتُه ..والله)، وترى مجموعة من الفساق وقد أمسك كلٌ منهم هاتفه، وهو في قمة الانهماك في المراسلة، ثم يزعجك بعد ذلك رنين الرسائل.
وإذا بالرسائل تتناقل، وإذا بأناس كالسكارى لهول ما يرون، والمصيبة إن كانت هذه الصور لامرأةٍ مغتصبة، أو ذنب ستره الله، فينشرون فضائح النّاس، وهذا حرام، وحريٌّ بأن يعاقب الله سبحانه من فعله بأن يهتك ستره لهتكه ستر النّاس.
فليس وقوع النّاس في الخطأ مسوغا لفضيحتهم ونشر صورهم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة»..
- وأمّا ما ينشره المجرمون من صور العري والخلاعة، فهذا من إشاعة المنكر بين صفوف المسلمين، وقد قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ..} [سورة النور: من الآية 19].
- الهاتف يستعمل للحاجة، وإن كنت تستغرب من امرأة تتكلم في وقت متأخر دون تَنبهِ رجال غيورين لسلوك نسائهم، فازدد عجبا من أناس سمحوا للنساء باستعمال هذا الهاتف الذي ينشر صور اللاغى والخلاعة.
ألا يعلمون أنّ المرأة ضعيفة فإذا تحرك داعي الفتنة لا يمنعها (دينٌ ولا أصلٌ ولا فصل ولا مكانة..!!) فإذا بعالية النسب والمنـزلة تنام في أحضان سائق أو رديء الأصل والمنـزلة!!، أيّها الرجال (إن المسألة شهوة.. فأين عقولكم ..؟؟!!).
ما الذي يجعل امرأة نظيفة تستعمل هذا الهاتف الموبوء، هل لصور الذكرى أو صور الأطفال!! هل هذا عذر سائغ؟؟!!
إنّ هذا في منتهى الحماقة، وهذا هو الكذب الممجوج الذي لا يصدقه السفهاء.
- تعمد بعض النساء لدخول حفلات الأعراس، وتصوير العفيفات وهن يرقصن في حفل مغلق بين النّساء، ثم بعد ذلك تنشر صورهن على صفحات (البلوتوث) أو الإنترنت، يُعرضن كما يعرض النساء في سوق الرقيق، فأي رجل يرضى بذلك؟
وهذا ممّا يدفع بالرجل الغيور أن يضيق حضور حفلات الأعراس بأشد ما يستطيع، وذلك بأن يجعل حضور الزواج عن طريق كروت الدعوة، وأن يأتي بحراس نساء يفتشن الشنط ويمنعن دخول الكاميرات، وأي امرئ يعلم أنّ شرفه رأس ماله، وأنّ أعراض إخوانه المسلمين الذين جاؤوا ليشاركوه في فرحه أمانة في عنقه، لم يعتذر بعد ذلك بحجة الإحراج والحياء.
- هذا الهاتف الذي أصبح وسيلة لضياع العرض وابتزاز الفتيات المخطئات لابد أن يقف المسلمون منه موقف الجاد، (فليس معنى أنّ الفتاة أذنبت مع شاب أنّ هذا يجيز فضيحتها)، ولو أنّ الله ابتلاك في مثل موقفها هل تُسر أن يتناقل النّاس صورتك أو صورة أحد أقربائك؟
(لا تقل: نحن ..ونحن، فالأمور بيد الله يصرفها كيف يشاء، ولندع النفخة الكاذبة.. أنا.. نحن آلُ فلان أو آلُ علان)، فمن اعتمد على أصله وفصله هلك، إنّما نحن جميعا نتقلب في ستر الله، فهل يفهم العاقل ذلك..؟
- فعلى المسلم الصادق أن يهجر مثل هذه الأجهزة التي تنشر الرذائل وفضائح النّاس، قال صلى الله عليه وسلم: «من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته»، فإيّاكم وتناول فضائح النّاس. ولا يجوز النظر للصور المخلة، لا سيما التي تحتوى على العهر والفساد.
وينبغي للرجل الغيور وان كان قليل الدين ألاّ يمكّن المرأة من استعمال هذا الهاتف، بل لابد أن يعلم أنّ الهاتف عموما - حتى وإن لم يكن فيه كاميرا - يستعمل بنطاق الحاجة، فليس لها الحق أن تتكلم به متى شاءت وكيفما أرادت.
فأين العقلاء العارفون؟!!
- كما أنّ الواجب على ولاة الأمر ومَن لهم الشأن، أن يحولوا دون استمرارية جريمة (البلوتوث) بين صفوف ضعفاء النفوس لأنّ هذا من إشاعة الفاحشة، فلا بد من الأخذ على أيدي السفهاء، ولا بد من إلزام شركات الاتصالات أن تشوش على هذه الخدمة، خصوصا وأنّ هذه الرسائل ليس لها مقابل مادي، وهذا يدل على أنّ المقصود منها إشاعة المنكر، وليعلموا جميعا أنّهم موقوفون بين يدي الله، (فيا ويلهم إن لم يسارعوا إلى قطع دابر الفتنة..مَن ذا الذي يعصمهم من الله).
وعلى ولاة الأمر أن يسارعوا بإيقاف هذه المآسي ألاّ تنتشر بين صفوف المجتمع ليس بتجريم هذا الفعل فحسب، وجعلِ من تناوله تحت طائلة القانون فهذا لا يجدي، بل الواجب إيقاف هذه الخدمة التي نشرت الفضائح.
وكيف هو الأمر لو أنّ
رجلاً كبيراً أو مسؤولاً بُثَّت له صور تفضحه، وتجعل مواراته في التراب خير من ظهوره، فماذا عساه أن يفعل؟
أين عقلاء بلدي..؟ أين رجال بلدي..؟ أين الناصحون..؟ أين هم..؟!!
أليس منهم رجل رشيد؟!!
وليحذر بعض من يراهم النّاس قدوة من الرجال والنساء من استعمال هذا الهاتف، الذي أصبح في أعين النّاس لا يستعمله إلاّ متّهم، ليحذروا أن يفتحوا للنّاس باب العذر، ويفتحوا عليهم باب الشبهة: أنّ فلانة (المستورة) تستعمله، وفلان (القدوة) يتعامل به، فلا يكونوا بوابةً لولوج النّاس في الباطل، ولا يقولوا: نحن نستعمله استعمالا حسنا. فأي استعمال حسن؟!، كل المسألة تصوير في تصوير، فلندع السخافة!!
ما أقبحَ الصورة وأنت ترى من تزيَّت بزي الصالحات، وهاتفها معلق في شنطته، على الأقل استتري عن أعين النّاس.
أين الحياء والعيب؟ وأين الولي الذي يزعم الرجولة..؟! ألا ترى..؟!!
ويقولون: استعمال حسن إنّ هذا ممّا يُضحك الثكلى!!
- وليحذر المرء أن يصور بناته ونساءه في هذا الجهاز الذي يحتفظ (بالنسخة الاحتياطية) حتى لا يفاجأ بعد فترة بصورهن على صفحات الإنترنت، أو بين أيدي الشباب في أجهزة (البلوتوث)، وليعلم من صوّر أهله أن عليه إن تعطل الجهاز ألاّ يذهب به لبعض العاملين في المحلات، الذين ينقلون الصور خلال ثوان وينشرونها في الأجهزة، بل لا بد أن يكون مصير هذا الجهاز هو الإتلاف، مخافة إظهار الصور المحفوظة في داخله.
كما أنّ الواجب المسارعة في التبرؤ من هذا الإثم العظيم، والتخلي عن هذه الأجهزة، وإعلان التوبة لله ربّ العالمين، فقد أنعم علينا فلا يحسن بنا أن نكفر نعمه، وستر علينا فلا نكشف ستره.
هذه كلمة إنذار لإخواننا بينت فيها مغبة هذا الأمر وخطورته، كتبتها إبراء للذمة، وكشفا للبس، نسأل الله تعالى أن يعاملنا بجميل ستره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.